مرسلة من احمد عطيات ابو المنذر

قلنا في الفصل السابق أن الدولة الإسلامية قد طبقت الإسلام، ولم تطبق غيره لمدة زادت عن اثني عشر قرنـاً ، وأوردنـا شيئاً من الشواهد على ذلك، إلا أن الدليل القطعي على أن الإسلام قد طبق، هو النجاح المنقطع النظير للدولة الإسلامية ، في إنهاض الأمة الإسلامية وجعلها الأمة الأولى في العالم ، ويمكن إجمال مظاهر نجاح التطبيق للمبـدأ الإسلامي في الأمور الثلاثة التالية:-
أولاً:- استطاع المبـدأ الإسلامي أن ينقل الشعب العربي بمجموعه من شعب في منتهى التخلف ولانحطاط إلى شعب في قمة التقدم والرقي، فبعد أن كان الشعب العربي قبائل متناحرة متخاصمة تتصارع على الكلأ والمراعي ، ويأكل قويها ضعيفها وغنيها فقيرها، وتخضع بمجملها للفرس والروم ، ولا يعرف عنها التاريخ شيئـاً يشرفه أن يسجله.
بعد هذا جاء الإسلام ونقل هذا الشعب إلى أعلى درجات السمو ، فصار العرب شعبـاً لا تهمه سعادة نفسه بقدر سعادة الآخرين، وصار التفكير بالآخرين وإنهاضهم من الانحطاط ، ونقلهم من الظلام إلى النور، أسمى أمانيه وأعز غاياته ، وصار هذا الشعب قائداً للشعوب – التي أخرجها من جور الأديان إلى عدل الإسلام – يقودها في ظل الإسلام إلى ميادين الشرف والبطولة، وغير وجه التاريخ ، وتضاريس السياسة خلال فترة لم يشهد التاريخ لها مثيـلاً في قصرها وعظم ما تحقق فيها ، فهل بعد هذا النجاح نجاح ؟؟وأمامكـم التاريخ فاقرأوه والآثار فاستنطقـوها تنبئكـم.
ثانياً:-استطاع الإسلام – ولأول مرة في التاريخ – أن يحقق الأمل الذي طالما راود خيال العظماء والمصلحين ، ألا وهو صهر الشعوب والقوميات المتناقضة في بوتقة واحدة ، وجعل ذلك حقيقة ملموسة ضمن فترة تعد إعجازاً حقيقيـاً لم يسبق له مثيل، وضمن شروط وظروف لا أصعب منها ولا أسوأ.
فقد استطاع الإسلام أن يجعل هذا الحلم العذب حقيقة ملموسة، ولم يحقق الإسلام هذا الأمر وحسب، بل حققه ضمن فترة تعد إعجازاً حقيقيـاً لم يسبق له مثيل، وضمن شروط وظروف لا أصعب منها ولا أسوأ.

استطاع الإسلام خلال بضعة عقود من الزمان – لا تعد شيئـاً في عمر الأمم – أن يصهر الشعب العربي ، المغرق في البداوة والتعجرف والخيلاء الفارغة مع الشعب المصري والفارسي والبربري والعديد من الشعوب الأخرى وكلها متناقضة في لغاتها وعاداتها ومشاربها ، وأهوائها، وجعلها جميعاً أمة واحدة متكاتفة ذات مبـدأ واحد ولغة أساسية واحدة هي العربية وعادات وتقاليد متشابهة، كل ذلك خلال فترة وجيزة من الزمن ، وبوسائل مواصلات بدائية، كالحصان والناقة، وصدق الله العظيم إذ يقول في سورة الأنفال ﴿ وألّف بين قلوبهم ، لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألّفت بين قلوبهم ولكن الله ألّف بينهم ﴾ ، وقوله تعالى في سورة آل عمران ﴿ واعتصمـوا بحبــل الله جميعــاً ولا تفرقــوا ، واذكروا نعمـة الله عليكــم إذ كنتــم أعــداء” فألـّف بيـن قلوبـــــكـم فأصبحتــم بنعمتــه إخوانـــا ﴾.

ثالثاً:- لم يكتف الإسلام بإنهاض الشعب العربي وصهر القوميات المتناقضة في بوتقة واحدة ، بل أنه جعل من تلك الأمة –أعلى أمة في العالم حضارة ومدنية وثقافة وعلوماً ، لمدة جاوزت الإثني عشر قرناً بدأت منذ منتصف القرن السابع الميلادي إلى منتصف القرن الثامن عشر الميلادي ، وهي مدة لم يسبق لأمة من الأمم أن ظلت فيها الدولة مطلقـاً، فهل بعد هذا النجاح نجاح ؟؟

وأجد من المناسب إيراد بعض الشواهد التي تدلل بوضوح على صدق ما ذهبنا إليه ، وسأجتهد في إيراد تلك الشواهد من ألسنة بعض المنصفين من الكتاب والمؤرخين غير المسلمين وذلك لتكون أوقع في النفس.
1)في كتاب الأستاذ قدري طوقان ” الخالدون العرب ” نجد شهادات لمفكرين ومؤرخين غربيين ، وهي شهادات تدل بوضوح على مدى ما وصلته المدنية والعلوم الإسلامية من تقدم ومن ذلك:-
‌أ) يرى الدكتور ( سارطون ) أن بعض المؤرخين يحاولون أن يستخفوا بما قدمه الشرق للعمران ، ويصرحوا بأن العرب والمسلمين نقلوا فقط العلوم القديمة ولم يضيفوا إليـها شيئاً ما، ويقول: ” إن هذا الرأي خطـأ، وأنه لعمل عظيم جداً ، أن ينقل إلينا العرب كنوز الحكمة اليونانية ويحافظوا عليها ولولا ذلك لتأخر سير المدنية بضعة قرون”.
‌ب) يقول ( نيكلسون ): ” وما كانت الاكتشافات اليوم لتحسب شيئـاً مذكوراً ، بإزاء ما نحن مدينون به للرواد العرب، الذين كانوا مشعلاً وضّـاء في القرون الوسطى المظلمة ولا سيما في أوروبا”.
‌ج) يقول ( دي فـو ): ” إن الميراث الذي تركه اليونان لم يحسـن الرومان القيام به، أما العرب فقد أتقنوه وعملوا على تحسينه، حتى سلموه إلى العصور الحديثة”.
‌د) يقول ( نهـرو ) في كتابه لمحات من تاريخ العالم: ” … وإن العرب امتازوا بهذه الروح الاستطلاعية مما يجعلهم يدعون بحق آباء العلم الحديث، فقد صنعوا أول مكبـّر ، وأول بوصلة، وكان أطبائهم وجراحوهم ذوي شهرة عالمية طبقت آفاق أوروبا” /عن كتاب / مع الله / محمد الغزالي / 393 .
2) ومن كتاب مجموعة أبحاث في الحضارة الإسلامية ، تأليف ( أحمد شوكت الشنطي ) نأخذ الشهادات التالية، كما أوردها على ألسنة قائليها:-
‌أ) يقول ( روجر بيكون ): ” إن الكندي والحسن وابن الهيثم في الصف الأول مع بطليموس ” ، ويقول العالم الإيطالي ( كاردانوا ): ” إن الكندي هو أحد اثني عشر عبقريـاً الذين هم من أهل الطراز الأول في الذكاء”.
‌ب) يقول ( داربر ) الأمريكي: ” إن العرب عرفوا علم الميكانيك وحددوا قوانين سقوط الأجسام، وكانوا عارفين بعلم الحركة إلى أن قال: وكتبوا أبحاثـاً عن الأجسام السابحة والغائصة تحت الماء”.
‌ج) يقول ( داربر ) الأمريكي: ” إن العرب عرفوا علم الميكانيك وحددوا قوانين سقوط الأجسام، وكانوا عارفين بعلم الحركة إلى أن قال: وكتبوا أبحاثـاً عن الأجسام السابحة والغائصة تحت الماء”.
هذه بعض شهادات العلماء الأوروبيين توضح مدى التقدم الذي كانت عليه الدولة الإسلامية علميـاً.
من كتاب الطريق/ احمد عطيات

شارك الخبر:

شارك برأيك

‫28 تعليق

  1. تسلم يا استاذ احمد على هالشرح
    لكن من وجهة نظري انه لا حاجة لإظهار ان الاسلام قد طُبق قديما وتوقف لأن من يعيش بحياة الاسلام الحقيقية يعيشه في هذه اللحظات ويستشعر عظمة اسلامنا وهذا هو السبب في دخول الملايين في الاسلام في وقتنا الحاضر .
    فنحن نعبد الله الحي ونستشعر وجوده ونصرته ورحمته في كل صغيرة وكبيرة في حياتنا ..

  2. نحن قوم أعزَّنا الله بالإسلام, فإذا إبتغينا العزة بغيره أذلنا الله.

    الحمد لله عالسلامة أخت حنان.

  3. الحمد لله بخير من الله يا حنان, لا تشعري باليأس واستمري بقول كلمة الحق, جزاك الله كل خير.

  4. “……..استطاع المبـدأ الإسلامي أن ينقل الشعب العربي بمجموعه من شعب في منتهى التخلف ولانحطاط إلى شعب في قمة التقدم والرقي، فبعد أن كان الشعب العربي قبائل متناحرة متخاصمة تتصارع على الكلأ والمراعي ، ويأكل قويها ضعيفها وغنيها فقيرها، وتخضع بمجملها للفرس والروم ، ولا يعرف عنها التاريخ شيئـاً يشرفه أن يسجله.”

    “استطاع الإسلام – ولأول مرة في التاريخ – أن يحقق الأمل الذي طالما راود خيال العظماء والمصلحين ، ألا وهو صهر الشعوب والقوميات المتناقضة في بوتقة واحدة…”

    هذا ما يرنو إليه كل مسلم
    فهو كان هدف جميع الفتوحات الإسلاميه ونرجوه تعالى أن يتجدد العهد ويصبح حقيقه ملموسه لنا ولأبنائنا

    جزى الله أخانا أبا المنذر كل الخير
    واسعده بالدارين

  5. شكرا اخي جنتل على التشجيع. الحمد لله على الإرادة التي منحنى اياه.

  6. حياك الله اخوي الجنتل وحيا الله الاخوات العزيزات الغاليات
    شهرزاد وغيردايز

  7. ® GENTLE في أيلول 14, 2011 | أهلا بسعاد وشهرزاد وسندباد ايضا…

    ^_^

    محاور صنديد
    وشهم ذو مروءه
    مثقف ومُطّلع
    محترم ولا يخاف في الحق لومة لائم
    غيور على دينه

    وصاحب نكته
    وكاشف المتنكرين على طول

    أول حرف من اسمه جنتل

    سلمت يدا من رباك
    وهنيئا لنا بتواجدك

  8. الله يخليك يا برنس

    شكرا يا برنس على سلامك
    وشكرا على جهودك في الإستشهاد بما هو جوهر ديننا
    لا إله إلا الله سيدنا محمدا عبده ورسوله

    كيفهم الأمورات اليمنيات العربيات?

  9. شكر سعاد على السوال
    الامورات كويسات الحمد لله
    لاكن العرق اليمني للاسف خفيف جدا جدا هههههههههههه

  10. PRINCE NORWAY في أيلول 14, 2011 |
    ودنا كم شخص زي العربي وجنتل

    ليس تنصلا من المسؤوليه يا برنس ولكنني أعرف جوهر ديني واضح ساطع
    لا زلت غير مصدقه لما ينسب للإسلام الواضح الجلي من أقاويل واتهامات وتشكيك برموزه ورجالاته

    ينقصني الكثير من المعرفه من مصادر موضوعيه حياديه وما أقلها

    أفضل الحياديه لأني لا أطمح للهجوم ولكن أملي أن يلقى الضال الطريق الصحيح الذي لم يتبدل منذ أن أنعم الله علينا بالإسلام

    أدعو له بالهدايه

    أحييكم على جهودكم ونصرةةقضينا
    وأحترم الوسيلة التي اتبعتوها للرد

  11. شكرا سعاد
    شي مهم ان يعرف الانسان كيف يتكلم وان يكون ملم على الاجابة على مثل هولاء الاشخاص انا قراءت اكثر من 187 مجلد من كتبهم ولذالك برد عليهم من كتبهم ومن مولفاتهم بالكتاب ورقم الصفحة وكمان اجادة اسلوب الحوار
    لانهم يعجزون عن الرد انظري هرب من الحواررغمانو نحاورة بكل هدوء واتزان
    وانظري الى بذاءتة هذة هي ثقافتهم

  12. الحمد لله اخوي العربي انوا فطرنا على هذا الشي
    وجزاك الله الخير على وقوفك ودفاعك عن الدين

  13. أولاً:- استطاع المبـدأ الإسلامي أن ينقل الشعب العربي بمجموعه من شعب في منتهى التخلف ولانحطاط إلى شعب في قمة التقدم والرقي، فبعد أن كان الشعب العربي قبائل متناحرة متخاصمة تتصارع على الكلأ والمراعي ، ويأكل قويها ضعيفها وغنيها فقيرها، وتخضع بمجملها للفرس والروم ، ولا يعرف عنها التاريخ شيئـاً يشرفه أن يسجله.

    وبفضل جهود الحكام العرب عدنا على ماكنا عليه بعد ان اعزنا الله عزوجل بالاسلام ولم نعد قبائل عربية نتناحر فيما بيننا صرنا ملطشة للرايح والجاي
    شكرا اخ احمد عطيات

  14. جــزاك الله كل خير أخي أبو المنذر ..
    ما قلته في تعليقي في أول حلقة من سلـسلتك تثبته في هذه الـحلقة ..
    الميزان هو قول سيدنا عمر رضي الله عنه ” نحن قوم أعزَّنا الله بالإسـلام, فإذا إبتغينا العزة بغيره أذلـنا الله.”
    فطالما كنّا أعزّاء فنحن نطـبق الاسـلام ،، فإذا ذلـلنا فإن ذلك يُشـير أننا تخلينا عن ديننا ..
    ورائـع ما أوردتـه عن الزمـن الذي اسـتغرقه الاسـلام في بناء حـضارة كـاملة ، وهو زمن قصـير جداً وذلك بحد ذاته اعجاز .
    وما ذكـرته من شهادات لغير المسـلمين عن الحضارة الاسـلامية علّ من يُشـكك في ذلك من المنبهرين بالحضارة الغـربية يُصدقهم ..

ماذا تقول أنت؟

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *