الرفض الجماعي والشامل لفيديو كليب أغنية “وحدة بوحدة”، والهجوم على الفنان محمد عبده، أعاد إلى الذاكرة تجربة ممثالة خاضها الفنان الراحل طلال مداح قبل حوالي عشرين سنة، عندما غنّى أغنية “عملة مغشوشة” من كلمات محسن آل الشيخ ولحن حمدان بريجي، وقد هُوجم طلال مداح من الجميع. صحافة وجمهور، وطالبوه بالاعتزال، كما طُولب محمد عبده بالاعتزال.
فكل ما يقوله فنان العرب محسوب على تاريخه الذي بلغ نصف قرن من العطاء والنجاح تلو النجاح، حتى تربّع فوق قمة الهرم الغنائي العربي وبات يحمل لقب “فنان العرب“.
بعد أن عرضت “روتانا” كليب هذه الأغنية انطلقت ردود أفعال قوية، ورفضاً صارخاً من شرائح متعدّدة من الجماهير المحبّة للفنان الكبير، لما اعتبروه مغامرة منه بتاريخه الفني، ولا يليق التصوير والمشاهد الراقصة في الفيديو بتاريخ وتجربة وعُمر الفنان، كما انتقد البعض تصوير الأغنية برفقة فتيات راقصات.
لكن يبدو أن ثمّة قناعات تغيّرت لدى الفنان محمد عبده، ليخطو مثل هذه الخطوة الجريئة والمنكرة من قبل جمهوره والفنانين على حد سواء، لدرجة أن هذه الأغنية أصبحت تحتل مساحة كبيرة من أحاديث الجلسات الفنية وغير الفنية، فكلما جلسنا في جلسة، أو سألنا أحد عن رأيه بـ فيديو الكليب إلاّ وجاء صادماً. فلا يوجد فنان، ممثل أو مطرب أو ملحن، أو شاعر أو عازف، ممن ينتمون إلى الوسطين الغنائي والدرامي إلا ورفض أي تبرير حول مغامرة الفنان محمد عبده، وتسليم ذقنه (على حد قولهم) إلى المخرج يعقوب المهنا وشركة “روتانا”.
“وحدة بوحدة”، الاغنية التي أصبحت قضية شغلت الجمهور، من كلمات الشاعر خالد المريخي وطرحت في الألبوم الجديد للفنان محمد عبده، الذي ضمّ 9 أغنيات جميعها من ألحان طلال, وقام بإخراجها “فيديو كليب” المخرج يعقوب المهنا، ابن الملحن يوسف المهنا، الذي أشرف على تنفيذ أغنيات الإسطوانة (سي دي). ولحن هذه الأغنية من اللون الأفريقي، أو ما يعرف بالأغنية السودانية، خاصة أن لحنها صيغ على السلّم الموسيقي الخماسي.
وإذا كان هناك من اعتبر أن الفنان محمد عبده غامر بتاريخه الفني، فهناك من يراه قامر بهذا التاريخ وخسره، فطالبه البعض بالاعتذار أو الاعتزال، وإن كان لا يريد الاعتذار أو الاعتزال فلا يكرر التجربة مرّة ثانية.
وكانت هناك فئة ثالثة لا تراه غامر أو قامر، إنما تعتبره خاض تجربة معرّضة للنجاح والفشل، في محاولة منه لربط تاريخه بجيل الشباب وضمّهم إلى جمهوره، من منطلق حرصه على التواصل مع أبناء الأجيال، خاصة أن جلَّ شباب الجيل الحالي يهتمّون بالإيقاعات السريعة والموسيقى أكثر من الاهتمام بمستوى الكلمات واللحن والتنفيذ الموسيقي، وأن الصورة هي التي أصبحت سمت العصر السريع الذي نعيشه، ومن حق الفنان محمد عبده أن يترك بصمته لدى جيل الشباب.
لم تكن هذه الانتقادات موجّهة ضد تصوير الفنان محمد عبده أغنياته، بل ضد أسلوب التصوير واللقطات المستخدمة، التي رأى الكثيريون أنها لا تتسق وتوجّه كلمات الأغنية ولغة الانتقام فيها، ومن حيث أنها خماسية السلّم الموسيقي وأفريقية الإيقاعات، بينما الراقصين والراقصات من ذوات السحنة البيضاء وبملابس خادشة للحياء، وهي لقطات، ربما، مأخوذة من أفلام هندية وما شابهها من الحفلات الغنائية الغربية.
“سيدتي” التقت بالفنان محمد عبده أثناء حضوره مناسبة اجتماعية وسألناه عن موقفه من الهجوم الكبير الذي تعرّض له هو و”فيديو” أغنيته “وحدة بوحدة”. ولماذا قبل التصوير بحضور نساء وهو الذي صرّح كثيراً أنه لن يخوض تجربة تصوير الـ “فيديو كليب” فقال: ” أنا صوّرت في استديو، ولم أحضر التصوير. والكلمات واللحن يحتاجان هكذا تصوير. وهي تجربة تناسب جيل الشباب، ولن تؤثر على تاريخي الفني. ولا يوجد إجماع على نجاح أغنية. وكما يقال إن إرضاء الناس غاية لا تدرك”.