لا يعرف الكثيرون ربما أن العديد من أغاني الراي (فن غنائي جزائري) التي أكسبت نجما مثل الشاب خالد أو مامي الجزائريين وغيرهم، صبغة عالمية، أنها تعود في الأصل للشيخة ربيعة البالغة من العمر 68 عاما، وهي واحدة من جيل رواد فن الراي التقليدي، الذين غادروا كلهم نحو دار البقاء.
وكشفت الشيخة ربيعة الجزائرية، في مقابلة لـ “العربية نت”، أن الرصيد الغنائي لنجوم الشباب يعود في أغلبه لجيل الرواد الجزائريين، وأنها واحدة من ضمنهم، كما هو الحال لبعض من أغانيها التي أعاد توزيعها بشكل حديث الشاب خالد والشاب مامي والزهوانية، دون أن يذكروا ولو من باب العرفان بالجهد الذي رسخه الرواد بغض النظر عن الحقوق.
وأضافت المتحدثة، قائلة “مع ذلك، يجب النظر إلى الأمور من زاوية أخرى، هو كون هذا الرصيد التراثي حتى وإن أعطى شهرة لهؤلاء الفنانين، فإن ذلك لا يعني، التقليل من الدور الذي لعبوه على مستوى التجديد، بإكساب فن الراي روحا جديدة اعتمادا على توزيع موسيقي عصري وبإدخال الآلات الغربية الحديثة، ما أوصله إلى العالمية”.
وعبّرت ربيعة عن أسفها في كون المؤسسات الجزائرية المختصة، لم تعمل على توثيق هذا التراث الشعبي خاصة وأنه كان في وقت من الأوقات ممنوعا من التداول على مستوى الإذاعة الجزائرية، لكن بعد أن اكتسب صيتا على مستوى الخارج مع الفنانين الشباب، لم يعد في إمكانها التعتيم عليه.
وقالت الفنانة الجزائرية، أنها على تواصل دائم مع الفنانين الشباب، خاصة الشاب خالد والشاب مامي، اللذين وصفتهما بالتواضع، حين يطلبون استشارتها في بعض أعمالهما الفنية، مشيرة إلى أنها سبق وأن أحيت معهما العديد من الحفلات.
القصبة والقلال
وأوضحت المتحدثة أن ما يميز الأغنية التقليدية، هو اعتمادها على آلتين موسيقيتين فقط، وهما ما يعرف بالمنطقة المغاربية بـ “القصبة” (الناي) و”القلال” وهي آلة مصنوعة من جذع خشب الجوز يكون مجوفا وذو شكل اسطواني يبلغ طوله حوالي 60 سم وقطره 25 سم في طرف و 15 سم في الطرف الآخر، ويكسو الطرف الواسع من “القلال” غشاء من جلد الماعز يمتد تحته وتران من أمعاء الحيوان يرتجان عند لمسه فيحدثان رنة خاصة.
كما أشارت إلى أن كتابة الكلمات كانت تخضع للعفوية والارتجال وذلك بحسب الحالة التي كان يعيشها الفنان، وتتناول جل مواضيعها من المشكلات الاجتماعية أو الذاتية كالحب ولوعة الفراق وغيره، موضحة في السياق ذاته أنها ظلت تحتفظ بما دونته من أغانياتها على الأوراق سنينا طويلة إلى أن تآكلت مع الزمن.
وتحكي ربيعة أن مسارها الفني انطلق مبكرا في سن الثامنة عشرة، رافقت خلالها الفنانين الجوالين وهي صغيرة من منطقة إلى أخرى، وكانت حينها تتذرع لأهلها حين تغيب عن المنزل بأنها تقوم بمراجعة دروسها صحبة صديقتها إلى أن كشفوا أمرها بعد غياب دام شهرا، اضطروا معه إلى أن يضعوا بلاغا لدى الشرطة أعلنوا من خلاله عن اختفاءها الغامض.
وأفادت ربيعة أنها اختارت الاستقرار في فرنسا منذ سنة 1977 رفقة أطفالها، وأنها راضية بحالها وإن لم تربح الكثير، لكن ليس كما هو الحال في القديم حين كانت تتقاضى 25 دولارا تخصص منه جزءا لشراء حذاء وبذلة والباقي تمنحه لوالدتها.
وتتمنى ربيعة وهي في خريف العمر، أن تحظى بشرف تنظيم بعض الحفلات بالعالم العربي، على غرار المغرب الذي تحضر إليه لأول مرة بمناسبة مهرجان فن الراي بوجدة، وتقول أن شهرتها تكاد تظل محصورة في أوروبا وأمريكا.