أثار مسلسل “حارة الشيخ” ردة فعل غاضبة لدى أهل الحجاز قبل عرضه وبعد بداية بثه، حيث ذكر المعترضون أن الحكاية لا تمت للحجاز بصلة لا من حيث الملابس ولا اللهجة ولا حتى مضمون الحكاية، مطالبين بإيقاف عرض المسلسل، لأن تاريخ الحجاز بالنسبة لهم هو التراث ورائحة الآباء والأجداد.
باختصار.. قالوا إنه (المسلسل) لا يشبههم، ولا يشبه الحجاز إنساناً ومكاناً، مؤكدين أن ما قدمه مسلسل حارةالشيخ من أحداث ما هو إلا تضليل تاريخي وإنساني وثقافي.
هكذا كان صوت أهل جدة خلال عرض مسلسل “حارة الشيخ” المتسبب في عواصف جدل لها امتدادات قد لا تنتهي قريباً، خاصة في جزئية محاولة تلوين الهوية الحجازية بسمات غير عربية، وأيضاً قذائف “همز ولمز”.
وهي اتهامات رفضها مؤلف المسلسل الذي رفض ربط مسلسله بمكان أو زمان.
يأتي مسلسل “حارة الشيخ” بعد مرحلة جفاف دراميٍ طويل جداً للدراما الحجازية، تاريخاً أو حاضراً، ثم أتت “حارة الشيخ” من زاوية قيل عنها “فنتازية”، لكنها لم تشفع للمسلسل من تهمة تزوير متعمد للتاريخ والثقافة والهوية.
ذكر المورخ الهمداني بأن جبل السراة من أعظمجبال جزيرة العرب، ويمتد من قعرة اليمن حتى أطراف وادي الشام لذا أسماه العرب »حجازًا» لأنهحجز بين تهامة ونجد، ثم جاء البكرى من بعده والذي قال بأن الحجازاثنتا عشرة دارًا وهي: المدينة، وخيبر وفدك، وذو المروة، ودار بلي، ودار أشجع ودارمزينة، ودار جهينة، ودار بعض بني بكر بن معاوية، ودار بعض هوازن، وجل سُليم، وجلهلال، وحد الحجاز (الأول) بطن نخل وأعلى رُمة وظهر حرة ليلى، والحد (الثاني) مما يلي الشامشغب وبدا، والحد (الثالث) مما يلي تهامة وبدر والسقيا ورُهاط وعكاظ، والحد (الرابع) مما يلي سايةوودان، ثم ينعرج إلى الحد الأول بطن نخل وأعلى رُمة، وانتهى بان مكة من تهامة وليست من الحجاز، والمدينة منالحجاز، كذلك قال ياقوت الحموي في معجم البلدان إن «الحجاز» يمتد من تخوم صنعاء من العبلاء وتباله إلى تخوم الشام وأن فلسطين من الحجاز، ولا يختلف رأى المورخ الحميري في تحديده عن الهمداني أو البكري أو ياقوت الحموي.
وإذا ذهبنا الى آراء المؤرخين والجغرافيين المعاصرين، نجد أن فؤاد حمزة ذكر بأن جبال السراة هي التي تقسم جزيرةالعرب إلى قسمين شرقي وغربي، وهي محاذية لساحل البحر الأحمر من شمال مدين إلىاليمن، وقد سميت حجازًا لأنها حجزت بين ساحل البحر الأحمر وهو هابط عن مستواها بينالنجاد الشرقية المرتفعة بالنسبة إلى الساحل الغربي، وقد سمي القسم الهابط عن مستوىالحجاز إلى الغرب (بتهامة)، وسمي القسم الشرقي منه (نجدًا).
وكذلك وضح المؤرخ «عمر رضا كحالة» في كتابه »قبائل العرب»، بأن الحجاز إقليم مستطيل اختلف في حدوده السياسية باختلاف العصور والدول كماتعددت الأقوال في حدوده الطبيعية، ولكنه استشهد بكتاب حافظ وهبه، بأن الحجاز يمتد منمعان مارًا برأس خليج العقبة إلى نقطة بين الليث والقنفذة على شاطئ البحر الأحمر، واستشهد بكتاب «شرف البركاتي» الذي يحدد الحجاز غربًا بالبحر الأحمر وشرقًا بالباديةالكبرى وجنوبًا بلاد قبيلة بني مالك بجبل السراة ووادي دوقة على الساحل، وشمالاً منجهة البحر الأحمر العقبة.
وبعد عرض ونقاش لآراء المؤرخينوالجغرافيين نجد أن الرواة العرب أدركوا الأسس الجغرافية لتحديدالحجاز فاعتبروه الحد الفاصل بين تهامة ونجد غير أن التوسع في الجهة الشرقية كانمتأثرًا بالتنظيمات الإدارية في كل مرحلة، ولكن من الواضح تاريخيًا أن الحجاز لا يقتصر علىالجبال الممتدة من خليج العقبة إلى عسير بل يشمل تهامة كذلك، وتقدر المسافة من الشمالإلى الجنوب بسبعمائة ميل طولاً، ومائتين وخمسين ميلاً عرضًا. إلا أنه ينبغيالإشارة إلى أن هذه الأطوال قد تتفاوت من موقع إلى آخر بحسب قرب الجبال وبعدها عنالبحر، ويشمل القسم الشمالي من الحجاز أرض مدين «وحسمي»، وهي الجبالالواقعة شمال تبوك مما يلي أيلة «العقبة».
ختامًا ليس من الصعوبة تحديد بداية ونهاية حدود الحجازبدقة، لأن التاريخ يعد من العلوم المهمة التي ارتبطت بعلم الجغرافيا، والتي تشكل الأساس المعرفي في التحديد، والتاريخ يعبر عن وجودنا وانتمائنا والعنوان الذي نعتز به والهوية التي ننشدها، لذلك فإن التاريخ قادر على إيضاح ما التبس من خلال الوظيفة التي ينفرد بها، والحقيقة التي تنتسب إليه.
منقول