ابتدأ العام الجديد بخبر سيئ لكل محبّي الموسيقى العربية التقليدية، فقد توفي يوم الجمعة الماضي في باريس الفنان الفرنسي جوليان فايس الذي كان قد اعتنق الإسلام واختار اسم “جلال الدين” تيمناً بالشاعر المتصوف والعالم جلال الدين الرومي.
وولد جوليان جلال الدين فايس عام ١٩٥٣ ونشأ في العاصمة الفرنسية باريس، ودرس الغيتار الكلاسيكية كالكثير من المراهقين آنذاك قبل أن يكتشف عالم الموسيقى الشرقية والإسلامية من خلال تسجيلات لمبدع العود الشهير منير بشير.
وقرر أن يكرس نفسه لدراسة الموسيقى في الشرق الأوسط، وعلى الأخص آلة القانون التي أصبح واحد من أفضل اللاعبين عليها.
اعتنق الإسلام عام ١٩٨٦ واختار اسم “جلال الدين”. كما شكل فايس مجموعته الخاصة، وأسماها مجموعة الكندي على اسم العلامة العربي المعروف أبو يوسف الكندي.
وهدفت المجموعة إلى نشر الموسيقى التقليدية العربية والتراث العربي الأصيل في عدد من العواصم العالمية حيث كانت دائماً تقدم عروضا مليئة بالجمهور لا تجد فيها مقعداً شاغراً.
وتنتظم مجموعة الكندي على شكل تخت، أي مجموعة موسيقية مصغرة تتكون أساساً من قانون وعود وناي وآلات قرع (دف أو طبل). وقد مكنت الجمهور الغربي والعربي من التعرف على مغنين عرب رائعين مثل: التونسي لطفي بوشناق، الشيخ حمزة شكور، عمر سرميني مؤذن الجامع الأكبر بدمشق، أديب الدايخ مغني الغزل بحلب وطبعا الحاج صبري مدلل أكبر مؤذن في مدينة حلب، وأحد أعمدة الإنشاد العربي المتخصصين في الوصلة.
وفي نهاية التسعينات وبداية القرن الحالي سكن جوليان جلال الدين فايس في حلب عاصمة الشمال السوري والمعروفة بكونها واحدة من أكثر المدن المحبّة للموسيقى في العالم العربي، واقتنى فيها قصراً يعود إلى القرن السادس عشر في حي باب قنسرين حيث أقام العديد من الحفلات حول “الصالون الموسيقي” الحلبي وجعل من الدار مزاراً لكل محبي الموسيقى الحلبية وزوار المدينة الغربيين. ومن هذه الدار كان فايس يعمل على إعداد أعمال جديدة، واكتشاف أصوات وتقاليد حلبية، ومراقبة والتعرف على العديد من الجماعات الصوفية المنتشرة بكثرة في حلب.
وكان جوليان جلال الدين يحقق مع فرقة الكندي رقماً قياسياً في عدد الحفلات التي تحييها فرقة عربية غنائية خارج العالم العربي. فكانت تحيي أحياناً حتى 30 حفلة في فرنسا وأوروبا ونيويورك والبرازيل وسواها. وكانت الفرقة تقدم خلالها الأناشيد الدينية والابتهالات والقصائد العادية والقدود والموشحات والقصائد الصوفية والمقامات العراقية، وأحياناً عرض للدراويش الميلوية.
وكان فايس من الذين يقدسوا التراث الموسيقي العربي ويحافظوا عليه، فكان يرفض مثلاً استعمال آلة الكمان لأنها آلة أجنبية وقد تضر أداء الآلات العربية. وفي السنوات الأخيرة ترك جوليان داره في حلب ليسكن في اسطنبول، وفي الأشهر والأسابيع الأخيرة كان يتلقى العلاج في مستشفى في باريس حيث توفي عن عمر ٦٢ عاماً.