أصبح الحديث عن اعتزال المطربين والمطربات وإنهاء حياتهم الفنية، ثم العدول عن هذا القرار لأسباب مختلفة، أمراً يتكرر بشكل كبير في الفترة الأخيرة، وبرر البعض ذلك بأنها مجرد تصريحات أشبه بما يسمّونه «بالون اختبار»، لقياس مدى شعبيتهم وجماهيريتهم، مما جعلها في الأغلب تدخل حيز التصريحات المستهلكة، لكنها تثير حولها الكثير من الجدل، لأنها تصدر بشكل مفاجئ ومن دون أي مقدمات، وفي أوقات لا يتوقع خلالها الجمهور أن يفجّر نجمهم المفضل هذه القضية. فرض ذلك رسم العديد من علامات الاستفهام حول هذا الأمر وأسبابه، فالبعض يبرر أنه نوع من أنواع الدعاية والتسويق للفنان، والبعض الآخر يؤكد أنها مجرد حالة وشعور ينتاب النجم في لحظة من اللحظات نتيجة الضغوط التي يعانيها في حياته الخاصة أو المهنية، ويتوقع آخرون أنها مجرد فرقعة لاستقطاب الجماهير وكسب تعاطفهم للإبقاء على هذا المطرب ودفعه للتراجع عن قراره.
تراجع شيرين وساندي
النجمة شيرين عبدالوهاب كانت آخر الحالات، بعدما صرحت من خلال تسجيل صوتي عن قرارها اعتزال الفن نهائياً، مبررة ذلك بأنها تريد التفرغ لتربية ابنتيها، لكن قرارها هذا قوبل بالرفض من جمهورها، الذي بادر الى تدشين «هاشتاغ» بعنوان «أرفض اعتزال شيرين»، وأنشأ آخرون صفحة على موقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك» بعنوان «كمّلي يا شيرين»، تعبيراً عن رفضهم هذا القرار وتمسكهم بمطربتهم الأولى، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بحيث علّق عدد من الفنانين على الخبر مطالباً شيرين بالعدول عنه، وهذا ما فعلته شيرين في نهاية الأمر، إذ قررت الخضوع لرغبة جمهورها وعشاقها.
موقف شيرين لم يكن الأول من نوعه، فقد خرجت المطربة الشابة ساندي قبلها بأشهر قليلة لتعلن خبر اعتزالها الفن الى الأبد، وهذا نصه: «قررت أنا ساندي عادل أحمد حسين الاعتزال من هذه المهنة، التي أدت إلى مرضي، بسبب الضغوط النفسية التي أتعرض لها، ولن أتراجع عن هذا القرار، وأطلب من الله المغفرة عن أي ذنب ارتكبته بسبب هذه المهنة»… لكن ساندي خرجت بعدها لتكذب هذا الكلام وتؤكد أن زوجها ومدير أعمالها هو من قام بنشره على صفحاتها الشخصية في مواقع التواصل الاجتماعي من دون الرجوع اليها، بحكم أنه كان يدير صفحاتها، وأنها كانت تمر وقتها بأزمة صحية منعتها من متابعة كل ما ينشر حولها، واشتعلت بعدها الصراعات بينها وبين زوجها.
تجارب سابقة
بالعودة إلى الوراء، نجد أن الأمر قد تكرر مع مطربين آخرين في الأعوام الماضية، أبرزهم أمير الغناء العربي هاني شاكر، الذي سبق وأعلن قرار اعتزاله منذ حوالى خمسة عشر عاماً نتيجة فشل أحد ألبوماته في تحقيق النجاح المرجو منه، لكنه تراجع عنه بعد إلحاح جمهوره والمحيطين به، وقدم عدداً من الحفلات الغنائية، وكرر الأمر نفسه بعد وفاة ابنته ومروره بحالة نفسية سيئة أثناء مرضها ومعاناته آلام فراقها، لكنه عاد إلى جمهوره من جديد وصرح بأنه استبعد قرار الاعتزال، وسيستمر في الغناء طوال حياته، وذلك تنفيذاً لوصية ابنته دينا له بالاستمرار في الغناء طوال حياته، فأهدى لها أول عمل عاد به وهو كليب «أحلى الذكريات».
الموقف نفسه تكرر مع المطرب محمد الحلو، فقرر اعتزال الفن نهائياً، وبرر ذلك بأنه أُصيب بحالة من الإحباط نتيجة تحول سوق الغناء في مصر من الاعتماد على الصوت إلى الأغاني المصورة، واصفاً ذلك بأن الساحة الغنائية لم تعد تستوعبه وأمثاله من المطربين، لكنه عدل عن هذا القرار بعدها، وقدم العديد من الحفلات الغنائية داخل مصر.
أيضاً خرج إيهاب توفيق بتصريح مشابه باعتزاله الغناء، لكنه أوضح بعدها أنه سيعتزل تقديم الأغاني الرومانسية وسيكتفي بطرح عدد من الأغاني الدينية، وبالفعل قدم وقتها ألبومين دينيين، لكن بعد فترة عاد مرة أخرى لتقديم كل أنواع الأغاني.
كذلك أعلن المطرب فضل شاكر اعتزاله الغناء بشكل نهائي، وهو الخبر الذي صدم الملايين من جمهوره في جميع أنحاء الوطن العربي، خصوصاً أنه أطلق لحيته والتزم دينياً، وقد صرح أخيراً بحنينه إلى الغناء مرة أخرى.
كما عادت المطربة عايدة الأيوبي للغناء بعد الاعتزال لفترة طويلة، واتجهت إلى الإنشاد الديني، والأمر نفسه تكرر مع المطربة حنان ماضي، التي ابتعدت عن الوسط الفني لأكثر من ستة عشر عاماً، لتعود بعدها بأغنية «البنت اللي سهرانة».
اعتزال مشروط
هذه الحالات لم تكن وحدها التي صرحت برغبتها في اعتزال الفن، وإنما هناك آخرون تحدثوا عن ذلك، لكنهم رهنوا اعتزالهم بأمنيات وأحلام معينة، كتقديم عمل معين أو مرحلة عمرية معينة، ومن بينهم القيصر كاظم الساهر، الذي أعلن منذ سنوات اعتزاله الغناء بعد انتهائه من مشروع العرض المسرحي «جلجامش»، والذي كان يشرع في تنفيذه وقتها، وهو عرض مسرحي يتناول أسطورة بلاد الرافدين، وكان مقرراً أن يتولى كاظم مسؤولية تلحين موسيقى العرض وتوزيعها، لكن سرعان ما تبدل الموقف وأعلن بعدها القيصر تراجعه عن التفكير في الاعتزال، مؤكداً أن ضغط جمهوره هو الذي دفعه لذلك.
الدوافع والنتائج
بسؤال الناقد طارق الشناوي عن الدوافع التي تجعل الفنان يأخذ قراراً بالاعتزال ويعدل من ثم عنه، وهل يمكن أن يؤثر ذلك سلباً في نجوميته وصدقيته لدى جمهوره، قال: «بالتأكيد مسألة اتخاذ قرار حاسم مثل الاعتزال والرجوع عنه، أمر خاطئ، ويجب على الفنان أن يحسبها جيداً قبل الإعلان عن قراره، لكن يلجأ الفنان أحياناً الى ذلك كنوع من اختبار مدى حبه لدى جمهوره، ويمكن أن يغفر الجمهور المرة الأولى للفنان وتسرعه في اتخاذ قرار مهم مثل الاعتزال، من دون أن يؤثر ذلك في صدقيته أو جماهيريته، بل يمكن أن يتعاطف معه، لكن إذا تكرر الأمر مرة ثانية مع الفنان نفسه فيكون له مردود عكسي ويتحول إلى أكذوبة لا يصدقها أحد».
وأضاف: «إن كانت المسألة متعمّدة، أو ناتجة من ظروف معينة يمر بها النجم في حياته المهنية أو الشخصية، فيجب أن يكون قراره حكيماً، من خلال تقديره لكل خطوة يخطوها في حياته، وعدم التسرع في اتخاذ قرارات قد تثير الكثير من الجدل حوله».
تفرغ للعائلة
أيضاً النجم راغب علامة، صرح بأنه سيعتزل الفن بعد وصوله الى سن معينة، حتى يفسح في المجال أمام الجيل الجديد من المطربين ليأخذ فرصته، موضحاً عدم تخوفه من ذلك، لأنه سيبدأ مرحلة جديدة من حياته يتفرغ فيها لعائلته.