في ظل الفراغ السياسي الذي يخيم على عمل المؤسسات الرسمية والحكومية في لبنان، وبعد تراجع بريق حملة المحاسبة والتفتيش الغذائي والإداري التي شغلت الرأي العام اللبناني في الشهرين الماضيين، وتحولت إلى رمز للعمل الحكومي، تحول موضوع إعلان الفنان المتطرف فضل شاكر نيته العودة إلى العمل الفني إلى حديث المحافل السياسية والإعلامية والشعبية، والتي انقسمت بين مؤيد لعودته ورافض لها وما بينهما ممن يضع شروطا على هذه العودة تحت سقف القانون وعدم إفلاته من العقاب.
مقابلة مثيرة
الجدل الذي أثارته المقابلة التلفزيونية التي أجرتها قناة “إل بي سي اي” مع فضل شاكر والتي أعلن فيها نيته أو رغبته في العودة إلى الحياة الفنية والتخلي عن مسيرة التطرف التي لجأ إليها عام 2013 إلى جانب الشيخ أحمد الأسير في مدينة صيدا – جنوب لبنان، وانتهت إلى مواجهة عسكرية دامية مع الجيش اللبناني أدت إلى سقوط حوالي عشرين قتيلا في صفوف الجيش، هذا الجدل لم يقف عند حدود حق هذا الفنان بالعودة أو عدمها، بل تحول إلى جدل قانوني يتعلق بمحاكمته على الأفعال التي قام بها أو التي تلك الجرمية التي قام بها أنصار الشيخ الأسير وأيدها، خاصة الفيديو الذي ظهر فيه شاكر وهو يتحدث عن مقتل جنديين من الجيش اللبناني وأطلق عليهما ووصفهما بـ”فطيستين”.
إطلالة شاكر التلفزيونية طرحت أكثر من علامة استفهام، حول توبته وعودته إلى الحياة الفنية التي قرر اعتزالها عام 2012 بعد انضمامه إلى جماعة الأسير وانتشار صور له على مواقع التواصل الاجتماعي حاملا السلاح بعد أن أطلق لحيته، وبعدها عبر ظهوره في فيديو وهو يغني “طالع على الموت يا أمي” خلال لقاء ديني في ساحة مسجد بلال بن رباح ضم إصافة إلى العديد من الشيوخ والسلفيين، الشيخ أحمد الأسير، خاصة أنه صدر بحق “شاكر” حكم بإعدامه على خلفية مشاركته الأسير الأعمال الإرهابية ضد الجيش في عبرا، وأيضا حول الجهات التي وفرت له الفرصة لهذه الإطلالة ليعلن عن رغبته هذه والأبعاد السياسية لهذا التحول الجديد في موقف هذا الفنان المعتزل.
انقسام إعلامي
الصحافة اللبنانية شاركت هي الأخرى في التعليق على قضية شاكر، وذهب بعضها إلى اتهام قناة “إل بي سي اي” بأنها “مثلت منبرا لتبرئة شاكر من تورطه في أعمال القتل، إلى جانب استفزاز أهالي العسكريين المخطوفين إثر أحداث عبرا”.
وأشارت جريدة “السفير” في تقرير لها، إلى أن ظهور شاكر يأتي في إطار تسوية ترعاها قطر، للتفاوض حول العسكريين المخطوفين، وعدد من الأشخاص من الجانب الآخر المعاكس.
أما جريدة “الأخبار” فاعتبرت عودة “شاكر” صفقة، بعدما استغل العديد من الوساطات والعلاقات القديمة مع شخصيات هامة ومؤثرة، مهدت الطريق لظهوره من جديد وإعلان توبته.
شاكر الذي تخلى عن اللحية الطويلة التي سبق أن أطلقها عنوانا لالتزامه بجماعة الأسير، وبعد الحديث عن توكيل محام للدفاع عنه أمام الجهات القضائية اللبنانية المختصة، المحامية مي الخنسا، المقربة من حزب الله، رفض التصريحات التي تحدثت عن تسليم نفسه للقضاء، ووضع شرطا لعودته تتمثل بتسوية قضيته قضائيا قبل أن يقدم على تسليم نفسه، أي محاولة الحصول على حكم مخفف أو براءة قبل القيام بأي خطوة لتنفيذ رغبته بالعودة.
مقابلة شاكر الأخيرة فتحت شهية الحديث عن “الصفقات”، في إطار ما حكي عن “تسوية لأوضاعه قبل تسليم نفسه”. وأشعلت البرامج التلفزيونية الحوارية الاجتماعية ومواقع التواصل الاجتماعي التي فاضت بالتعليقات والتحليلات والسيناريوهات، وبات كل شخص كأنه محقق وقاضٍ، فيصدر حكم الإعدام أو البراءة بحقه.
وبين الترحيب بعودة الابن الضال والحذر من تبني موقف مؤيد أو معارض، كانت لرجال السياسة في لبنان، خاصة النواب، مواقف واضحة من هذه القضية، إذ اعتبر النائب عن كتلة تيار المستقبل خالد زهرمان أنه “مع أن يأخذ القضاء مجراه”، مضيفا أن “تيار المستقبل ليس هو من يحكم بالسماح بعودة فضل شاكر أو عدمها، أو ما هي مدة التوقيف وما هو الحكم”، مشددا على أن القضاء لن يكون ظالما بحق شاكر “إذا ثبت عدم تورطه بالاعتداء على الجيش اللبناني”.
في المقابل أكد النائب الكتائبي ايلي ماروني أنه “مع عودة شاكر إلى القضاء لينال العقاب اللازم إذا ثبت أنه شارك في أحداث عبرا”.
انتقاد حاد من الوسط الفني
الوسط الفني، استقبل قرار شاكر بالعودة بالكثير من الترحيب، في حين رفض البعض الآخر هذه العودة، وقد عبرت الفنانة ورد الخال عن رفضها لعودة شاكر، مضيفة “شو الدني سايبة؟”، وشنت هجوما على متابعيها على حساب تويتر من المؤيدين لعودة شاكر إلى مغادرة صفحتها، وأضافت “مين عنده نفس يسمعه بعد. يا ريت بيضل محل ما هو. ما مننسى أفعاله وشتايمه للناس والفن. ع مين عم يضحك؟ شو هالمسخرة؟ ألف عيب! هه يمكن معه حق يستهتر هيك لأنو دولتنا حدّث ولا حرج! عكل حال الجيل والعود وحلق الذقن ما بيردوه إنسان”.
في حين جاءت ردود فعل المؤيدين لتعبر عن رغبتهم في عودة هذا الفنان، إذ عبر الشاعر أحمد ماضي عن ذلك بالقول “مش بس ملك الإحساس. إنت كل الطيبي بقلبك. رجوعك صار حديث الناس. الله يحميك ويحرس دربك. كلنا ناطرينك ومنحبك”.
أما الإعلامية بولا يعقوبيان فقالت: “عاد العود وغابت اللحية لبنان في فصل جديد #فضل_شاكر”، في حين اعتبر المخرج ناصر فقيه أنه “في كتير إرهابيين بس قلال المطربين يلي بيخلّوك تقول آه من نص قلبك.. إن شاء الله يرجعلنا”.
ولأن السياسة متجذّرة في الحياة اللبنانية بكل تفاصيلها، لم يكن أهل الفن بمنأى عن إطلاق آرائهم، فانقسمت تغريدات الفنانيين عبر موقع “تويتر”، منهم من أعاد فتح جناحيه لـ”عودة الابن الضال”، أبرزهم أعرق المكتبات الفنية في العالم العربي “روتانا”، ومنهم من عارض ذلك بشدة.
ونجل فضل شاكر محمد غرّد على صفحته الخاصة عبر موقع “تويتر” قائلاً باللغة الإنجليزية “injustice anywhere is a threat to justice everywhere. justice will prevail”. ما معناه: “الظلم في كل مكان تهديد للعدل في كل مكان. سوف يسود العدل”. فيما كان أعاد نشر تغريدات كثيرة لنجوم وشعراء وإعلاميين عبّروا عن سعادتهم بعودة شاكر، ومنهم الفنان الشامل صلاح الكردي: “ظَهَر المُعَلِّم”.
“روتانا” ترحب
من جهته، أكد مدير شركة “روتانا” للصوتيات والمرئيات سالم الهندي أن “فضل شاكر من النجوم الذين يظلّون موضع ترحيب دائماً في الشركة”. وأضاف في حديث لصحيفة “الراي” الكويتية، أن “شاكر أحد أهم نجوم الأغنية في الوطن العربي، وحضوره على الساحة الفنية يُكسبها نشاطاً إضافياً، شرط ألا تكون له قضايا مع الدولة اللبنانية”. وأعرب الهندي عن ثقته بأن “فضل شاكر بعيد عن مثل هذه القضايا، لأنه إنسان مسالم”.
وفي ما يتعلق بمستحقات “روتانا” على شاكر قال الهندي: “سيكون لكل حادث حديث، وبعودة شاكر إلى بيته الكبير (روتانا) ستحلّ جميع الأمور العالقة”.
وللقانون كلمة أيضاً
من جهته، علّق الوزير السابق زياد بارود على إطلالة فضل شاكر، موضحاً في اتصال مضمن برنامج “حكي جالس” أنه “بمعزل عن كل التحليلات التي ذكرت حول هذا الموضوع، فإنه لا يوجد أي جرم من دون نص، وبالتالي لا ملاحقة من دون نص، أي أنه ليس ثمة ما يجرم الصحافي إذا أجرى أي مقابلة مع أي شخص مطلوب للعدالة”.
بدورها، ذكرت الإعلامية ريما كركي ضمن برنامج “للنشر” أن استطلاعاً للرأي أجري حول هذا الموضوع خلص إلى أن 35 بالمئة أيدوا عودة شاكر للفن، في مقابل 65% عارضوا ذلك.