ثلاثة أيام للحزن، يعيشها عشاق الفن العربيّ سنويًّا، ما بين ذكرى رحيل الممثل أحمد زكي يوم 27 مارس/آذار، ووفاة العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ في الثلاثين من الشهر نفسه، وما يجمع بينهما كثير، ولكن يمكن تلخيصه في اللقب الحزين “يتيم”، الذي يتّسع ليشمل العديد من النجوم، أبرزهم نور الشريف وخالد صالح وغادة عادل، وصاحبة “الأزمة الشهيرة” الكويتية شجون الهاجري.
هل يمنح “لقب يتيم” الفنان “سحرًا خاصًا”؟ التاريخ يقول نعم، فجزء كبير من تعاطف الجمهور مع حليم كان مصدره قصّة يتمه، ورواج القصة المفبركة عن إيداعه “دارًا للأيتام”، ولكنّ الأهمّ أنّ اليتم يمنح صاحبه شجنًا خاصًّا لا يمكن تصنّعه، ويترك أثرًا في القلب، يمكنك أن تلمسه بإحساس حليم في أغانيه، ونظرة عين أحمد زكي التي لا تنسى، وابتسامة خالد صالح “المنكسرة” ، ولمسة محمد عبده الشجيّة على أوتار العود، وبراءة الوجه الحزين التي لم تفارق نور الشريف، حتى وهو يقدّم أروع مشاهد الشر!!
ابناء الملاجىء
القائمة تطول، ولكنّ المفاجأة أنّ قصة النشأة بدور رعاية الأيتام، الشهيرة في بعض الدول العربيّة باسم “الملاجىء”، تكررت مع ثلاثة من نجوم الفن العربي، أوّلهم وأشهرهم “عبد الحليم حافظ”، الذي راجت عنه قصة إيداعه الملجأ، بسبب اعتباره “فأل شؤم”، بعد وفاة أمّه أثناء ولادته ورحيل والده، قبل أن يُتمّ الصغير عامه الأول، والحقيقة أنّه ولد في قرية الحلوات التابعة لمركز الإبراهيميّة محافظة الشرقية، وهو الابن الأصغر بين أربعة إخوة هم: إسماعيل ومحمد وعليّة. توفيت والدته بعد ولادته بأيام، وقبل أن يُتمّ عبد الحليم عامه الأول، توفي والده، ليعيش اليتم من جهة الأب، كما عاشه من جهة الأم من قبل، ليعيش بعدها في بيت خاله الحاج متولي عماشة، وكان يتردد إلى دار للأيتام داخل قريته، لأنّها الوحيدة التي تمتلك آلات موسيقيّة، وهناك تعلّم مبادىء الموسيقى وفنون الغناء، وللمصادفة، كان الشاعر الراحل أحمد فؤاد نجم نزيلًا بالدار نفسه.
محمد عبده
فنان العرب محمد عبده، مرّ هو الآخر بتجربة اليتم، والانتقال لدار رعاية الأيتام، فبعدما ولد 12 يونيو 1949 في الدرب، وهي مدينة تابعة لمنطقة جازان، توفي والده وعمره ثلاث سنوات، وتمّ إيداعه بدار الأيتام بمنحة من الملك فيصل، والتحق بالمعهد الصناعيّ الثانوي بجدّة، وحصل على دبلوم في صناعة السفن، كما عمل في بداية حياته بالبريد، وبالوقت نفسه، عرف الطريق لبرنامج الأطفال “بابا عباس” في إذاعة جدّة عام1960 وعمل كمردّد كورس في قسم الموسيقى، حتى اكتشفه الإعلاميّ والدبلوماسيّ الشهير “عباس فائق غزاوي”، وبارك هذا الاكتشاف، الشاعر والأديب السعودي الراحل “طاهر زمخشري”، وتبنّاه الملحن عمر كدرس عام 1960 وكانت أغنية “سكبت دموع عيني” هي أغنية البداية، بالإضافة إلى أغنية “أعلّل قلبي” عام1961، ولحّن أول عمل من تأليفه “خلاص ضاعت أمانينا” وهو في الثانية عشرة من عمره 1962م، من إنتاج توزيعات الشرق.
شجون الهاجري “يتيمة لقيطة”
الحالة الثالثة مأسوية جدًّا، للفنانة الكويتيّة شجون الهاجري، التي اكتشفت وهي بعمر الثالثة عشرة، أنّها “يتيمة لقيطة”، أودعت دار رعاية الأيتام، وهي بالشهر التاسع من عمرها، إلى أن تبنّاها السيدة حياة والسيد مطر حيث عاشت في كنفهما ، وقدّمت شجون القصة بنفسها، عبر تسجيل فيديو بثّته على صفحتها في انستقرام، حيث قالت: أنا مرتاحة، خلاص اليوم اقدر أقولكم ما في بعد أسرار بينا .. عرفتوا السر اللي كان ذابحني اني مو عارفه متى أقول .. نعم أنا من دور رعاية الشؤون، تبنّتني أمي حياة و أبوي مطر, وربّوني وعرفت وأنا عمر 13 سنة، أني مو بنتهم يتيمة، لقيطة.. والله سبحانه هو إللّي كاتب هالشي، وأفتخر فيه والحمد لله أمي وأبوي ما قصّرو معاي، والله يحفظهم لي ويشافيهم، وهديّة رب العالمين لي انتو.
رولا سعد “المأساة الكاملة”
وصف “المأساة الكاملة” ينطبق على النجمة اللبنانيّة رولا سعد، التي عرفت اليتم قبل أن تتجاوز الشهر الخامس من عمرها، بوفاة والدها، وبعد سنة ونصف السنة، هجرتها أمّها هي وإخوانها “زينة” ،و”ماري روز”، و”جورج” ، من أجل الزواج، وتمّ إيداع رولا ، ديرًا للراهبات، حتى وصل عمرها ستة عشر عامًا، ثمّ عاشت مع جدّتها وعمّها، وأول احتكاك لها بالفنون، كان من خلال افتتاحها لوكالة أزياء جورجيو، بالمشاركة مع إخوتها، ثم عملت عارضة أزياء وموديل، وظهرت في تصوير بعض الأغاني، مثل فيديو كليب “حيّروني” لصابر الرباعي، وبعدها حصلت على دور صغير في مسلسل “الكنز والفصول الأربعة” و شاهدها الموسيقار فؤاد عواد، وأُعجب بصوتها، ونصحها بتقوية موهبتها الغنائيّة، وبعدها التقت رولا بالمنتج الشهير محسن جابر، الذي أصدر لها أول ألبوم، وعنوانه “على ده الحال”، واشتُهرت بعد أن غنّت أغنية “يانا يانا” مع الراحلة صباح.
خالد صالح
الفنان الراحل خالد صالح، لم ينشأ بدار رعاية أيتام مثل النجوم السابقين، ولكنّه مثلهم عرف يتم الأبوين باكرًا، حيث توفيت والدته أثناء ولادته، وتوفي والده بعدها بسنوات قليلة، وتولّى رعايته شقيقه “إنسان” الذي توفي منذ ما يقرب الأربع سنوات بمرض القلب، الذي مات به خالد صالح، وروى خالد نفسه أنّه كان زميلًا بفرقة المسرح بكليّة الحقوق مع خالد الصاوي، ومحمد هنيدي، وعلاء وليّ الدين، ولكنّه فضّل العمل بالمحاماة، والسفر للعمل في الخليج، بحثًا عن ثروة سريعة خوفًا من تعرّض أولاده للمصير نفسه !!
نور الشريف ذاق مرارة اليتم مرتين
الفنان الكبير الراحل نور الشريف تيتّم مرتين، قبل أن يبلغ عامه السابع، فهو لم يرَ والده، ولا يتذكر ملامحه، لأنّه توفي قبل أن يبلغ الصغير عامه الأول، وتركته والدته ورحلت من أجل الزواج برجل آخر، وتكفّل برعايته وشقيقته، عمّه الذي توفي هو الأخر بعد سنوات قليلة، وتحمّل بعدها عمّه الثاني رعايته بمنزله في حي السيدة زينب، ويتذكر نور مشاعره في هذه الأيام بحوار مطول، عن سيرته الذاتيّة قائلًا: في طفولتي حُرمت من عطف الأب، وكنت شديد الحاجة الى حنان الأم، وقد تأثرت جدًّا لزواج والدتي وابتعادها عنّي، وكنت بدافع من أنانيّتي الطفوليّة، أوجّه إليها اللوم الشديد، ولكن بعد أن كبرت، وجدت لها العذر، وأدركت أنّه ليس عدلًا أن تنتهي حياة أيّة شابّة، إذا ما خسرت زوجها بالموت أو الطلاق
غادة عادل يتيمة ولا تعرف
الفنانة غادة عادل، صاحبة أغرب قصة يتم من بين نجمات الفن، فقد فقدت والدتها قبل أن تتجاوز عامها الثاني، وتزوّج والدها سريعًا من سيدة أخرى، وظلّت غادة تظنّها والدتها الحقيقيّة، بخاصة وأنّ الأسرة كانت تقيم بمدينة بنغازي في ليبيا، ولا توجد عائلة أو جيران يروون الحقيقة، حتى تعرّفت على التفاصيل كاملة، بعد العودة للقاهرة أثناء استخراج أوراق رسميّة!!
أحمد زكي
الفتى الأسمر “أحمد زكي”، يشارك العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ الكثير من تفاصيل الطفولة، فكلاهما من مواليد محافظة الشرقيّة، وكلاهما فقد والده بالوفاة قبل أن يتمّ عامه الأول، والفارق الوحيد أنّ والدة أحمد زكي لم تمت أثناء ولادته، ولكنّها اختفت من حياته بعدما قررت الزواج، وتركت الصغير لجدّه الذي تولّى تربيته ورعايته، وكان مقدّرًا له الحصول على تعليم صناعي قصير، حتى يعول نفسه بسرعة، ولكنّ موهبته التمثيليّة أجبرت المعهد العالي للفنون المسرحيّة على تغيير قواعد قبول الطلاب، وسمح له بالتقدّم للاختبارات، ونجح في الانتقال لمدينة القاهرة، ليبدأ طريق العمل والمذاكرة، ونجح بالفعل في تحقيق المركز الأول على دفعته بالمعهد، كما انضم لفرقة الفنانين المتّحدين.