الفنان كاظم الساهر صاحب الذبذبة الصوتية الأخيرة من أهازيج حضارات عاشت على ضفاف النهرين، يخبئ أحزانه بداخله كمقاتل سومري تمنطق بدرعه، وعندما همّ بالقتال تحولت حربته إلى باقة ورد.
هو فنان استثنائي في عيون محبيه، هؤلاء المحبون يغالون في محبته يجزمون أن أرض الغناء لا ترتوي سنابلها إلا من سواقي صوته، وذلك حقهم المشروع، هذا الجمهور المهووس بالقيصر هو مهووس أيضاً بملاحقة منافسيه ومناوئيه بدافع ذلك الحب، وافتعال المشاكل كنوع من الصخب الوجودي لأي جمهور، ولعل جولة على مواقع التواصل والفيديو تكشف حالة التأزم التي يعيشها آل “القيصر” مع عدد من الفنانين من ضمنهم فنان العرب.
أزمة ألقاب.. أم ماذا؟
الحقيقة أن جمهور كاظم يعاني غصة لقب “فنان العرب” منذ سنوات فهم يعتقدون أن لقباً كهذا لا يليق سوى بصاحب البدلة السوداء والحزن السرمدي، رغم أن الفنان محمد عبده الذي لاحقه سؤال علاقته بكاظم في أكثر من محفل أعلنها على طريقة الشاعر العربي: “الأرض أرضي والزمان زمانيا” عندما اقترح منح كاظم لقباً آخر كـ”فنان العرب والعجم” على سبيل المثال والتهكم، ولعل المماحكات حول اللقب أطلت برأسها من جديد عندما شارك القيصر في حفل مهرجان “جرش” بالأردن في 27 يوليو الماضي وقدم مذيع الحفل كاظم الساهر بـ”فنان العرب” ليندفع بعدها كاظم إلى المسرح مزهوا محمولاً على هتافات المحبين.
كاظم الذي غنى بالفصحى وقدم وجهاً حداثياً للأغنية العراقية وبلغ مجده مع أشعار المرأة وتفاصيلها والوطن والمنفى لازال جمر الخلاف بينه وبين فنان العرب يستعر عندما تهب عليه رياح “الميديا” فهو خلاف هندسي متعدد الأشكال لم يحمل طابع المواجهة الشخصية، والمصافحة دائماً ناقصة بين الاثنين ولا تكتمل، النفوس لم تنطفئ ولم تتصاف إلى الآن وهذه الحقيقة، ولاحت بارقة في فبراير الماضي عندما رحب كاظم عبر مؤتمر صحفي في مهرجان ربيع “سوق واقف بالدوحة” بالتعاون مع محمد عبده، وشدد على أنه متى ما وجد النص المميز فإنه لا يمانع أن يضع لحنه ويقدمه لفنان العرب، محمد عبده هو الآخر لم ينس إلى الآن أن كاظم رفض دعوة الغناء في الجنادرية، وعندما سألته صحفية هل ستتعاون مع “القيصر” رد عليها بطريقة درامية “من القيصر؟” فأخبرته الصحافية بأنها تقصد “كاظم الساهر” ليعقب: “عندما اتصل بي يريدنا أن نتعاون.. رفضت!” هذا الرد جاء على طريقة هذه بتلك.
في مؤتمر موازين في المغرب عام (2014) الذي غنى فيه النجمان سألت الصحافة كاظم عن تصريحات محمد عبده فأجاب: “أعتقد أن الذي يجمعنا الاحترام فنحن بالنسبة للشباب في الواجهة، ولربما كانت لحظة رأي أو وجهة نظر لا يلام عليها ويجب أن أحترمها”. بهذا التصريح أراد كاظم أن يعزل جمهوره جانباً وينزع فتيل الكراهية من قلوبهم، فما يحدث من قبلهم لا يليق بجمهور تتلمذ في “مدرسة الحب”، والقيصر عنما يقول ذلك هو يعي مفرداته ويعلم من هو محمد عبده وما هو تاريخه، وليس من قبيل الإساءة إذا أوردنا أنه قبل أن يشب كاظم عن الطوق ويطرح ألبومه الأول كان فنان العرب يغني مع الفرقة الماسية بقيادة أحمد فؤاد حسن في لندن روائع “في الجو غيم” و”ردي سلامي” و”يا زهور العشب”، وليس تقليلاً في أحد إذا قلنا بأن الساهر بينه وبين أبناء جيله مسافة موسيقية طويلة.
طلال يملك الحل
في الفترة الأخيرة وبعد أعوام طويلة دخل كاظم الأغنية السعودية عبر بوابة رائدي المفردة الغنائية بالحجاز الشاعرين إبراهيم خفاجي في “أحلى النساء” وثريا قابل في أغنية “ياراعي الود”، هذا التقارب الملفت يقف خلفه الموسيقار “طلال” الذي لحن أيضاً للقيصر أكثر من عمل غنائي، كان أحدها “غرناطة” من كلمات نزار قباني.
“طلال” الذي تم تكريمه في القاهرة و”جرش” وبيروت يحسب له أنه أخرج كاظم من عزلته الموسيقية والقالب الوحيد، واستطاع أن يعطي رؤية جديدة أكثر واقعية لأغانيه، قال عنه كاظم: “أنا لا أجامل في الألحان وأكون دقيق، كنت محظوظ أني غنيت من ألحانه”، الجمهور المتذوق للطرب يرى بأن الأبواب الموصدة بين فنان العرب والقيصر يملك مفاتيحها الموسيقار طلال الذي يتمتع بمكانة كبيرة لدى الاثنين وهو حالة جمالية مشتركة بين النجمين، إضافة إلى نقاط التقاء لم يفطن لها العشاق، فهما إنسانياً يلتقيان في الطفولة البائسة التي عاشاها ثم الانفصال عن الزوجة الأولى، وفقدان الأم المؤثر في مراحل مهمة، واليوم المتذوق بحاجة إلى أعمال لحنية فيها عبقرية محمد عبده وخيال كاظم الساهر، وجمهور كاظم في السعودية يرحب بهذا التقارب الذي يصب في صالحه قبل كل شيء، ومنذ زمن والأغنية السعودية بنجومها على مستوى الشعر والألحان في حالة استقطاب لا تتوقف لنجوم الغناء في الوطن العربي ولا يوجد فنان عربي اقترب من الأغنية السعودية وخرج خاسراً على المستوى الفني أو الجماهيري أو حتى التسويقي !.