منذ اللحظة الأولى التي قرر فيها الفنان عبدالمجيد عبدالله تغيير شكل الأغنية الشبابية، ونقلها إلى آفاق أكثر ألقاً، انقسم حوله الجمهور إلى فئتين، الفئة الأولى التي تعارض توجهه مازالت تعيش على صدى أغنية “طائر الأشجان” وتعتبر ما سواها لا يعدو كونه “تمتمة” عابرة.
والفئة الثانية هي التي أطربها جديده، وأغلبها لازمه منذ أغنية “رهيب”، واستمر معه في مراحله التالية إلى أن وصل إلى ألبوم “اسمعني”، مروراً بـ”طيب القلب” و”قله” و”هلا بش”، عبدالمجيد الذي يعيش حالة قلق فني لم يلتفت للوراء ولا يزال يبحث عن شكل جديد لأغنية المستقبل كما صرح، وعندما يتحدث بذلك تشعر أنه صاحب مشروع موسيقي قائم، ولكن لم تتضح معالمه حتى اللحظة، نظرته للأمام هي امتداد لتوزيع حياته الفنية سابقاً إلى مراحل، بداية من مرحلة سامي إحسان الذي قدمه على مسرح التلفزيون مطلع الثمانينيات إلى المرحلة الحالية التي يعيشها بكل تفاصيلها مع “سهم” وطارق محمد، ولا يمكن لمحبيه نسيان الملحن صالح الشهري أو حتى رفيق دربه ممدوح سيف.
عبدالمجيد أيضاً لديه قناعة بأن الأذن اليوم بات لديها قدرة أكثر على استيعاب ألوان الموسيقى بشكل أوسع حتى لو استلزم الأمر 20 أغنية في ألبوم واحد!، هو لا يملك حنجرة فنية بحبال صوتية، بل لديه قطعة فنية بأوتار تشنف لها الأسماع، عناده الشخصي الذي لازمه تجاه الأغنية الطربية (المكبلهة) دفع محمد عبده مؤخراً لاستفزازه بالتأكيد أن حنجرة عبدالمجيد لا تقوى على هذا النوع من الأعمال، لأنها درجت على لون واحد على حد وصفه، وهذا التصريح الذي حاول من خلاله فنان العرب استدراج عبدالمجيد إلى ملعبه فهمه بعض الجمهور أنه محاولة نصح وضرب من تحت الحزام في آن واحد، إلا أنه لم يحرك ساكناً في “طائر الأشجان” الذي يمضي أكثر وقته في “العش” (عبارة عن استوديو متطور) ينفذ فيه جميع أغنياته.
ورغم أنه لبق وسريع البديهة ويملك قدرة على التعبير اللفظي أو الإيحائي فإنه مقل في الظهور الإعلامي، وهذا الاختفاء المتعمد جعل الجمهور يتلقف القصص التي تروى عنه، وأصبح في فترة من الفترات مادة دعوية ثرية لعدد من الوعاظ أشهرهم الدكتور محمد العوضي، الذي ذكر بعض المواقف التي عبر من خلالها عبدالمجيد عن امتعاضه مما يجري في الوسط الفني من إسفاف.
واستشهد بالكليبات على سبيل المثال، وهذا يصب في رأي عبدالمجيد الذي كرره قبل فترة في ظهور إعلامي بقناة “سكاي نيوز عربية” قال إن “بعض الكليبات الهدف منها تشويه صورة المرأة”، ومثل هذا الرأي قد نحمله على وجهين أيضاً الأول أن عبدالمجيد يرغب أيضاً في تطوير الصورة المتحركة الملازمة للأغنية من خلال إعادة النظر في السيناريو كونه يرى الوضع الحالي لا ينقل الحقيقية، كما هي ولا يعبر عن هوية الأغنية، والوجه الآخر أن رأي عبدالمجيد نابع في الأساس من قناعة أو نصيحة دينية أراد تغليفها بأسلوب محبب إلى النفس والاعتذار بأن المرحلة العمرية التي يعيشها لا تتوافق مع القصص العاطفية للكليبات، وكلا الرأيين يحتملان الصحة إلا أن من يعيد الذاكرة إلى بداية عبدالمجيد الفنية ومعارضة أسرته لدخوله الفني، إضافة إلى علو وازعه الديني وشخصيته التي تتسم بالمحافظة وحياة الأب التقليدي، الذي “يكدح ويسهر من أجل توفير تعليم مميز وحياة كريمة لأبنائه كأي أب” مثلما يقول تجعلنا نميل للرأي الثاني جملة وتفصيلاً.
وقد يكون الجمهور ليس في حاجة إلى معرفة أن عبدالمجيد عبدالله له أيادٍ بيضاء في الوسط الفني وخارجه، بقدر حاجته أن يجد تفسيراً مقنعاً لحالة الجفاء المزمنة بينه وبين الصحافة الفنية السعودية.