“يا أم عبده الحلبية احكي القصة شو هيه… كل حلقة بتشوفوها رح تحكي عن قضية”.. بهذه الكلمات يبدأ مسلسل “أم عبده الحلبية” الجديد الذي اكتشفه جمهور حلب، عاصمة الشمال السوري، في أول رمضان لهذا العام.
ومبدأ “أم عبده الحلبية” بسيط فهو يستغل بيئة حلب ومشاكلها تحت القصف والحصار ووضع اللاجئين والمقاتلين والمساعدات الإنسانية لكي يقدم عددا من الحكايات والقضايا بشكل خفيف ومسلي وعبر شخصيات “كبار” يؤديها أطفال تتراوح أعمارهم بين ٨ و١٢ سنة.
وطبعاً رشا الطفلة التي تقوم بشخصية “أم عبده” هي التي تلفت الأنظار والانتباه فوراً، فلديها طريقة بالتمثيل وبأداء دور “أم عبده” أي ست بيت حلبية من الطراز القديم تحب الحكي والفضول وتتهجم على الرجال وبقية النساء وتغار وتخاف على زوجها من زواج آخر… إلخ.
وقد يلخص دور المسلسل في الكلمات التي تقولها أم عبده في بداية كل مسلسل خلال الأغنية التي تفتح الحلقة فتقول باللهجة الحلبية: “خليني أطق يلي بقلبي أحسن ما انفجر”.
ويشعر المتابع لمسلسل أم عبده الحلبية أن المواضيع المثارة من صعوبات حملات التلقيح إلى ظاهرة الكتائب المسلحة النسائية ومن مشاكل اللاجئين إلى العلاقات الإنسانية في ظل الحرب كلها مواضيع تحكي للحلبيين وللسوريين فتأتي كمنفذ للغضب وللكتمان عن طريق الكلام والروح المرحة والضحك من شر البلية.
وتنتج المسلسل مجموعة “فضائيات بكرا أحلى” وهي مجموعة شباب من مناطق حلب التي لم يعد لنـظام بشار الأسد أي سيطرة عليها وبالتحديد أغلبيتهم من حي بستان القصر وصلاح الدين وهو أول حي في حلب تظاهر ضد نظام الأسد ودفع ثمن اندفاعه الثوري بعدد كبير من الشهداء.
وشباب صلاح الدين و”بكرا أحلى” هم بعضهم كانت له ميول فنية من قبل الثورة السورية وبعضهم الآخر أبداً، فكان تاجرا أو موظفا ولكن الثورة غيرت حياتهم فدخلوا معظمهم في مجال العمل المدني لتنظيم حياة الأحياء المحررة وللمساعدة في توزيع المساعدات الإنسانية وللعمل الإعلامي، إلى جانب الفصائل المسلحة والجيش الحر لتقديم الصورة الأصدق لما يجري على الأرض في حلب.
وبعد فترة من العمل الميداني اقترح بعضهم فكرة تقديم عمل درامي يعرّف عمّا يجري في حلب بطريقة خفيفة ومرحة فيسمح للحلبيين بالضحك من مآسيهم ويسمح لمن ليس في حلب بالانتباه إلى نفس المآسي ولكن من خلال خطاب ضاحك وظريف ولاذع على خطى شخصيات سورية فنية مثل الراحل محمّد الماغوط ـ كاتب مسرحيات “غربة” و”كاسك ياوطن” – أو على طريقة مسلسل “مرايا” الشهير للفنان السوري ياسر العظمة الذي كان يقدم نقدا لاذعا للمجتمع السوري ولكن عن طريق الضحك والتسلية.
وهكذا ابتدأ الفريق الحلبي بالعمل على مسلسل اسمه “منع في سوريا” يتمحور حول شخصيتين هما “جهاد ابو الجود” و”يامن نور” اللذين يعيشان مغامرات غريبة عجيبة في حلب تحت القصف اليومي. وبعد اللقاء بعفراء هاشم التي كانت تكتب حلقات حول شخصية الطفلة رشا “أم عبده” وحولها عدد من الشخصيات من الزوج “أبو عبده” للصديقة اللدودة “أم زكور” وعدد من الوجوه التي تمثل أو تلخص المجتمع الحلبي اليوم.
وليس من النادر أن يعاد تصوير لقطة ما بسبب قذيفة سقطت بالقرب من مكان التصوير فيقول المخرج بشار أبو هادي: “يلا بسرعة نعيد نفس المشهد قبل قذيفة تانية”.
ويستخدم المسلسل عددا كبيرا من “ديكورات” حلب الطبيعية من بيت قديم في حي جب القبة في المدينة القديمة إلى المناطق المدمرة والمباني التي باتت ركاما وقد قام الفريق أيضاً بتصوير عدد من المشاهد على خطوط الجبهة بمساعدة أحياناً عدد من الكتائب المسلحة الثورية التي يعرفها جيداً محمد نور أحد أعضاء الفريق فيعلمها بخطة التصوير ويطلب أحياناً مساعدتها إن احتاج التصوير لأسلحة أو لآليات تظهر في الخلفية أو للحماية في المناطق القريبة من خط التماس لمنع أي اعتداء على فريق المسلسل.