تقول الطرفة إن الرجال يعتقدون أن معاناتهم مع الزكام تفوق كل ما تعانيه المرأة في الولادة وإنجاب الأطفال، ويُستخدم لهذا الغرض تعبير إنجليزي man flu، أي “إنفلونزا الرجال”، والذي يغمز إلى تمارض الرجال وملازمتهم للفراش والمبالغة في الشكوى حينما يصابون بالإنفلونزا.
لطالما ألهم هذا الموضوع رسامي الكاريكاتير في الغرب، خصوصاً في إنجلترا وأيرلندا، حيث يشيع هذا التعبير الساخر. تصور بعض الرسوم رجالاً طريحي الفراش بسبب الإنفلونزا بمقابل نساء مصاباتٍ بسرطان الثدي يمارسن أنشطة يومهن بشكل طبيعي. وتمجد بعض الرسوم الرجال الذين شفوا من الزكام بنجاح وتسميهم “الناجون من إنفلونزا الرجال” على غرار الناجين من تحطم طائرة مثلاً، وتقارن بعضها بين الأعراض التي تصيب الرجال بفعل الإنفلونزا وبين أعراض الإيبولا أو إنفلونزا الخنازير أو غيرها من الأمراض المميتة.
وتستند أسطورة “إنفلونزا الرجال” على دراساتٍ علمية أيضاً، سبق أن وجد عدد منها أن الرجال أكثر تمارضاً بالفعل حينما يتعلق الأمر بالزكام ونزلات البرد، وذلك من حيث تغيبهم عن العمل وطلبهم لإجازات مرضية وطول مدة أيام مرضهم واستهلاكهم لأدوية الزكام والحرارة، إذا ما تمت مقارنتهم بالنساء.
كما تشيع التفسيرات النفسية لهذه الظاهرة. وتعتقد بعضها أن الرجال يحتاجون بين الحين والآخر للاهتمام والرعاية ولفت الانتباه، ويجدون من الزكام فرصة حتى يلازموا الفراش ويحظون بالرعاية التي يطلبونها، في حين أن المرأة أكثر إشباعاً لحاجتها بالرعاية من خلال طبيعتها الفسيولوجية وامتلاكها للعديد من “الحجج” الأخرى التي تستطيع فيها جذب الاهتمام، كآلام الطمث والحمل والإرضاع وأعراض سن اليأس وغيرها.
أحدث الدراسات تقف في صف الرجال
وأما الجديد، فكان في دراسة حديثة لجامعة “هارفارد” تطعن بتاريخٍ من المعتقدات والسخرية ورسوم الكاريكاتير. ويصر القائمون على هذه الدراسة أنهم أثبتوا أن “إنفلونزا الرجال” ليست مجرد أسطورة، وأن الأعراض التي تصيب الرجال أشد بكثير من تلك التي تصيب النساء بفعل العدوى.
وتقول الدراسة، التي نشرت في المجلة الطبية Life Sciences، إن هذه الظاهرة تعود لسبب بسيط، وهو في كون الرجال رجالاً، ويفتقدون بالتالي لهرمون الأنوثة “الإستروجين” الذي يساهم في الوقاية من العدوى وتفاقم أعراضها، إذا ما قورنوا بالنساء.
أجريت الدراسة على فئران تجارب تمت إصابتها بأمراضٍ تنفسية، نتيجة حقنها بالبكتيريا، ووجدت أن هرمون الأنوثة “الإستروجين” يزيد من فاعلية أحد الإنزيمات (والذي يسمى NOS3)، وهو ما يزيد من مقاومة النساء للعدوى التنفسية وذات الرئة وغيرها، ويزود المرأة بعلاجٍ طبيعي للعدوى، خصوصاً أن هذا الإنزيم هو ذاته التي تستهدفه العديد من العقاقير التي تعالج الأمراض التنفسية.
ويعلق البروفيسور “ليستر كوبزيك”، مؤلف الدراسة، على هذه النتائج بقوله: “يحمي هرمون الأنوثة المرأة من أن تتطور إصابتها بالإنفلونزا، والتي سببها فيروسي، إلى أمراض أشد خطورة كذات الرئة بفعل الإصابة بعدوى بكتيرية”.
وقد يجادل البعض، خصوصاً من النساء ربّما، أن هذه النتائج غير كافية باعتبار أنها أجريت على فئران تجارب لا على البشر، واعتمدت على العدوى التي تسببها البكتيريا لا الفيروسات التي تسبب عادة الزكام ونزلات البرد. وإلى أن تثبت صحة فرضية أحد الطرفين، لا شيء يمكن أن يمنع الرجال من الاعتماد على الدراسة حتى يمارسوا متعتهم في التمارض..!