الطبيعة تحتفظ بالكثير من الأسرار في جعبتها، والتي لم نعرف منها حتى يومنا هذا إلا أقل القليل.. وما نعلمه قد لا يكون قد توصلنا إلى تفاصيله بدقة، ومن الممكن أن تكتشف الأبحاث جديدا عنه في كل ساعة وكل عصر. فقد إكتشف العلماء دبورا طفيليا من نوع جديد، له “دورة حياة شيطانية” ولذا أطلقوا عليه اسم “سيت”، نسبة لأحد الآلهة المصرية القديمة، والذي كان يرمز إلى الشر والفوضى، بحسب “ناشيونال جيوغرافيك”.
تستوطن هذه الحشرة جنوب شرق الولايات المتحدة، وتعرف باسم “يوديروس سيت”، أو الدبور حارس القبو. ويضع هذا النوع بيضه في النتؤات الخشبية الصغيرة التي يقوم نوع آخر من الدبابير “باسيتيا باليداي” بحفرها في أشجار البلوط التي تنمو في الرمال. وتلك النتؤات المعروفة باسم الندوب يحدثها وجود صغار الدبور الحاضن.
وما أن يفقس البيض فإن يرقات الدبور حارس القبو تتوغل في الدبور الآخر، وتسيطر على عقله ثم تضطره إلى البدء في حفر أنفاق تحت لحاء الشجر خروجا إلى الحرية، وهو إنجاز يناضل دبور حارس القبو لتحقيقه بنفسه.
ولفرط قدرتها على المثابرة لإحداث الضرر، تجبر اليرقات ضحاياها لحفر ثقب صغير جدا لكي تهرب منه إلى الخارج، وما أن يصبح الدبور الكبير محشورا في الفتحة التي صنعها، فإن الدبور حارس القبو يلتهم حاضنه من الداخل، ليندفع في النهاية خارجا من جبهته إلى العالم.
وكما إنه بالأساطير أن سيت، الذي سمي دبورالقبو نسبة إليه، أوقع أخاه أوزيريس في قبو، حيث قتله واجتث بقاياه، فإنه من المعتقد أن دبور حارس القبو يتحكم في حيوانات أخرى مثل الضباع والأفاعي، حسب ما تقوله عالمة الطفيليات، كيلي فاينرسميث، التي تعمل بجامعة رايس، والمؤلفة الرئيسي للدراسة، التي أضافت أن “لدبور القبو سلوك مشين”.
ونتيجة للخوف من الأماكن المغلقة، فإنها تشعر بالإرتعاد لما يتعرض له الدبور الحاضن “باسيتيا باليداي”، من كونه محشورا داخل نفق ضيق وليس متاحا له أية مساحة ليتحرك فيها، بينما يتعرض من داخله للإلتهام والهلاك.
وتقول فاينرسميث، التي نشرت دراستها مؤخرا في مدونات “ذا رويال سوسايتي بي”، “إنه من المفزع أيضا والمثير للدهشة أن يتمكن طفيل، من خلال الإنتقاء الطبيعي، أن يتلاعب بحاضنه بتلك الطريقة البالغة البرود”.
قصص من القبو
معظمنا على دراية بفكرة التطفل، التي من خلالها يتسنى لمخلوق ما، طفيلي أو حشرة، أن يكسب عيشه على حساب مخلوق آخر. وأن الطفيليات العالقة هي تلك التي تنتفع بالطفيليات الأخرى، مثلما يضع الدبور الطفيلي بيضه داخل دبابير طفيلية أخرى، والتي تقوم بدورها بوضع بيضها في يرقات. ولكن يأتي دبور حارس القبو على قمة الطفيلية حيث لا يكتسب عيشه على حساب طفيليات أخرى بل إنه يسيطر على سلوكها ويجبرها على حفر ندوب في شجر البلوط. ويطلق على هذا النوع من التطفل الشرير “التطرف في السيطرة”، والذي لا يعد مفهوما إلى حد كبير.
وتقول إميلي مينيكي، وهي طالبة دكتوراه في المؤسسة الوطنية للعلوم، التابعة لجامعة هارفارد، والتي تدرس التفاعلات بين الطفيليات وحاضناتها: “إنه من المُسلَّم به القول إن أولئك الباحثين قد توصلوا إلى شيء له قيمة مميزة”. ولكن ما هو أكثر قيمة، وفقا لما تقوله مينيكي، إن الباحثين أوضحوا كيف يستفيد الدبور حارس القبو من خلال تلاعبه بحاضنه.
ولإثبات ذلك، فإن فاينرسميث وزملائها قاموا بتجربة حبسوا فيها الدبور حارس القبو داخل النتؤات، دون أن يكون معه دبابير أخرى يمكن أن يختطفها، ثم أخذوا يحسبون كم دبورا من دبابير حارس القبو إستطاع أن يسلك سبيله إلى الخارج معتمدا على نفسه. وكانت النتيجة أن دبابير حارس القبو ماتت بأعداد كبيرة داخل القبو عندما افتقدت مساعدة الدبابير من أنواع أخرى.