دافع الداعية الشيخ أحمد الغامدي الرئيس السابق لفرع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مكة المكرمة عن آرائه التي أطلقها قبل يومين على صفحته الرسمية في موقع التواصل الاجتماعي “تويتر، والتي أباح فيها كشف المرأة لوجهها وسفرها دون محرم وأكلها مع غير محرمها والتي أثارت الكثير من الجدل في اليومين الماضيين، مؤكدا أن ما قاله ليس فتوى، ولكنه نقل لآراء كبار الفقهاء السابقين.
وقال في حديث خاص لـ”العربية.نت”: “ما قلته ليس فتوى بل هو كغيره مما يطرح في الصحف نوع من تبصير الناس بتراثنا الفقهي والآراء الموجودة فيه بأدلتها لفتح الآفاق، وليس فتوى شرعية محددة لأشخاص معينين وفق الأمر الملكي السابق”.
وتابع متحدثا عن تغريداته المثيرة للجدل: “كان الأمر نقاش على تويتر.. كان البعض يقول إن تلك الآراء شاذة وغير صحيحة فقمت بنقل آراء لكبار الفقهاء التي تؤيد ما قلته وهي آراء معترف بها في الكتب المعتمدة للمذاهب الأربعة”.
ويصر الغامدي على أن ما قاله في إباحة كشف المرأة لوجهها وكفيها هو مذهب جمهور العلماء، وأضاف: “نقلت عن الصحابة مثل عائشة وابن عمر وابن عباس وأنس رضي الله عنهم، وكلها بأسانيد صحيحة تؤكد أن تفسير (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) أن المقصود بها الوجه والكفين، وهذا ثابت في تسفير الآية بأسانيد صحيحة.. وقلت إن هذا رأي سلف الأمة أصحاب رسول الله والفقهاء الأربعة”.
وتابع الغامدي: “صحيح أن هناك من قال إن الوجه يغطى، ولكن المشكلة أن هناك من لا يعرف أن كشف الوجه هو قول جمهور فقهاء الأمة وكثير من أصحاب رسول الله وهو الراجح في هذه المسألة، وكشف الوجه ليس واجبا فمن أرادت تغطيته فهذا يعود لها، ولكنه ليس واجبا”.
ويشدد الرئيس السابق لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مكة المكرمة على أن الأصل في التغطية خاص بزوجات الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، وقال :”الحجاب هو أمر خاص لزوجات الرسول وليس للنساء عامة، لقول الصحابة يوم تزوج الرسول الكريم صفية بنت حيي (قالو إن حجبها فهي إحدى أمهات المؤمنين) وهذا يؤكد أن الحجاب خاص بأمهات المؤمنين وليس عاما.. والحجاب هو الساتر، وليس وصفا للباس بل مثل الستارة التي تفصل بين الناس”.
الأمن علة منع سفر المرأة
ويؤكد الغامدي على أن علة منع سفر المرأة لوحدها هو الأمن، وأجاز كبار الصحابة والفقهاء سفرها دون محرم متى ما توفر الأمن، وقال: “منع سفر المرأة وحدها فيه خلاف، فبعض العلماء لا ينظر لتعليل حكم نهي المرأة عن السفر إلا بمحرم.. وبعضهم الآخر نظر للعلة”.
وأوضح أن سبب اشتراط المحرم هو أن تكون المرأة في أمان، فإذا انتفت العلة ووجد الأمن فلا يتمسك بالحكم، لأنه بني لمصلحة، وهي الآن متوفرة، سواء في القطارات أو الطائرات أو حتى الحافلات التي فيها مواعيد محددة ولا خوف فيها على المرأة”.
وتابع: “إذا كانت المصلحة التي نهيت المرأة فيها عن السفر وحدها متحققة وهي الأمن فلا يتمسك بالمنع، ورخص كثير من الفقهاء ذلك، وهو منقول عن فقهاء السلف وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية.. فهو يرى أنه إذا تحقق الأمن جاز للمرأة السفر دون محرم سواء في حج أو غيره”.
وأضاف الشيخ الغامدي مستدلا بالمزيد من الأحاديث: “روي عن الرسول أنه قال: (لا تسافر المرأة دون محرم).. ولكن زوجات الرسول ذهبوا للحج دون محرم بعد وفاته في حج سنة وليس فرضا.. وكان عمر منعهم في بداية الأمر ثم أذن لهم في آخر حياته.. وأخرج معهم عثمان بن عفان وعبدالرحمن بن عوف”.
وتابع: “عمل الصحابة بسفر المرأة دون محرم، وسافر زوجات الرسول الكريم من المدينة إلى مكة.. وأيضا عائشة رضي الله عنها سافرت من المدينة للعراق للإصلاح بين المسلمين دون محرم.. وابن عمر قال إنه كان يسافر للحج بولاياه دون محرم.. فهؤلاء أصحاب رسول الله الذين نقلوا لنا السنة.. عرفوا أن علة المنع هي الأمن”.
قصص صحيحة في البخاري ومسلم
واستشهد الشيخ الغامدي بقصص وردت في الصحيح عن أكل الرسول الكريم وأصحابه من يد نساء ليسوا محارم لهم، مما يؤكد صحة ما ذهب إليه من جواز أكل المرأة مع غير محرم إن كان بدون خلوة، وقال: “هناك أحاديث كثيرة في الصحيحين تقول إن الرسول عليه الصلاة والسلام كان في نكاح أحد أصحابه فقدّمت له العروس الطعام وكانت تخدم الضيوف”.
ويضيف “أورد البخاري الحديث في باب (خدمة العروس للضيف بالنفس) وأيضا قصة الصحابي وزوجته اللذين أمسكا عن الطعام وتركا ضيفهما يأكل وحده فنزلت الآية (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) وهي قصة وردت في الصحيحين.
وأورد الشيخ الغامدي قصة الصحابية التي كان الصحابة يأتون إليها بعد صلاة الجمعة وتطبخ لهم السلق وتقدمه لهم في منزلها.. وكانوا يحبون يوم الجمعة لما تقدمه لهم من طعام.. وكان الرسول يحضر هذه الولائم ويكون فيها نساء.. وهو أمر لا يخدش العفة ولا فيه خلوة بل في مكان عام.. وهو أمر لا يتناقض مع الدين ولا يخالف الشرع”.
مخالفون يرفضون النقاش
ويشدد الشيخ الغامدي على أن الهجوم الذي تعرض له على الرغم من أنه لم يأت بجديد، نابع من التشدد في اتباع مذهب معين ورفض الحوار والنقاش المدعوم بالأدلة الشرعية.. وقال: “هناك أسباب كثيرة للتشدد والمنع مع أنها قصص وأحاديث موجودة في الصحيحين.. أولها تربية الناس على التبعية العمياء (إنَّا وجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وإنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ) لا يفكر الإنسان فيما استمع إليه ويفكر فيه ويبحث، ثم يبدي وجهة نظره، بل ينصرف ذهنه مباشرة لتقليد ما ورثه عن آبائه وجدوده، وهذا من أسوأ خصال الجاهلية التي حاربها الإسلام.. فهذه مشكلة تربوية كبيرة، لأن المجتمع لن يتربى على الحوار والنقاش وتحري الدقة والمناقشة.. وتابع: “لذا كثير من الردود يكون فيها عنف وذم وشتم وهي أمور لا تمثل خلق الإسلام”.
ويضيف متحدثا عن رفض آراء بقية المذاهب: “لا يتاح بالمذاهب الفقهية الأخرى، وأدلتها الطرح.. وإذا طرحت هذه المذاهب وجدها الناس غريبة ويسمعونها لأول مرة، والسبب هو تغييب الوسطية في الإسلام من خلال عرض المذاهب الأخرى.. فلا يجب الاقتصار على مذهب واحد فقط وحجب غيره، بل يجب تقديم كل المذاهب على حد السواء”.
وتابع: “لا يعني أننا إذا أحببنا عالما أو مجتهدا علينا أن نقلده في كل أرائه، لأنه عالم كبير فهو في نهاية المطاف ليس معصوما عن الخطأ.. والواجب فتح المجال للنقاش والتحري والبحث بحرية”.. ويواصل مفصلا: “المجتمع بحاجة للبحث والأخذ مما يثبت في سنة الرسول الكريم.. وبما يتفق مع سماحة الشريعة ونصوصها ولا يأخذ الجانب الضيق الذي يفرض التقليد الأعمى خلف آراء اجتهادية.. نحترم المجتهدين، ولكن من حقنا أن نخالف بالدليل وليس بمجرد الهوى ونبين الآراء المخالفة، وأقوال العلماء وأدلتهم في ذلك”.
وسبق للشيخ أحمد بن قاسم الغامدي أن أفتى بجواز الاختلاط واعتبار الصلاة مع الجماعة سنة، وهو ما أثار الكثير من الجدل في الشارع السعودي.