نقلت الوكالات في اليومين الماضيين خبر اكتشاف علماء لجينات تمنح الحوت المحدودب الرأس عمراً يمتد إلى 200 عام، وهو ما قد يساعد في إطالة عمر الإنسان. لكن مخلوقاً يعيش على الأرض، معدل طوله سنتيمتر واحد فقط، يجعل الحوت وكل الكائنات عجائز أمامه دائما، لأن الشيخوخة تدق بابه ولا يفتح لها مهما طال عليه الزمن، وهو لا يموت إلا بشق الأنفس، خصوصاً إذا قطّعته إرباً، بل تشتد عزيمته كلما تقدم بالسن، إلى درجة أن باستطاعته العيش أكثر من 1400 عام.
هذا الكائن المعروف علمياً باسم “هيدرا” أو hydra magnipapillata، هو “جوفمعوي” أسطواني الجسم، يعيش في المياه العذبة والبرك والأنهار، ودرسه باحثون من جامعة جنوب الدنمارك، وفاجأهم حين اكتشفوا الطريقة التي لا يشيخ بها، فكتبوا قبل عام بحثاً عنه في مجلة “نيتشر” العلمية الشهيرة، وفيه ذكروا أن احتمال موته “يكاد يكون شبه معدوم تقريباً”، ثم أكد قائد فريق الباحثين أن 5% من “الهيدرا” المحفوظ لدى العلماء في المختبرات “يمكنه البقاء حياً 1400 سنة وأكثر” وفق ما ذكره العالم أون جونز.
جين “فوكسو 3 أي” يمده بالحياة كلما انقسم
يذكر جونز أيضاً، وهو عالم الأحياء التطوري وبروفسور مساعد بمركز “ماكس بلانك أودنس” في الجامعة الدنماركية، عن “هيدرا” الذي لا يطرأ عليه أي تغيير مع الزمن، أن الناس وبعض العلماء يميلون إلى الاعتقاد بأن التقدم في السن حتمي يطال كل الكائنات، خصوصاً الإنسان الذي يتعرض للأمراض أكثر في الشيخوخة، لكن الأمر مختلف مع “الهيدرا” الذي لو تم حتى تقطيع جسمه لتجددت كل قطعة بحيث تصبح “هيدرا” آخر متكامل، أي كأنه يستنسخ نفسه.
كما سبق لعلماء “جامعة كيل” الألمانية، أن درسوا “الهيدرا” الذي بدأ وجوده على الأرض قبل 550 مليون عام، وأصدروا عنه دراسة مخبرية مفصلة، اطلعت “العربية.نت” على خبرها مما ذكرته الوكالات، ولخص نتائجها في 2009 أستاذ علوم البيولوجيا بالجامعة، البروفسور توماس بوش، بقوله إنه حيوان “خالد لا يموت” طبقاً لتعبيره المجازي العلمي، لا الحرفي بالتأكيد، إذ لا شيء يبقى خالداً على الأرض.
وفي الدراسة كتبت طالبة دكتوراه وباحثة من الجامعة، اسمها آنا ماري بوم، أنها تدرس “الهيدرا” منذ سنوات، وأن من أسباب “عدم موته” هو امتلاكه لخلايا جذعية خاصة به “تنقسم بشكل دائم ومنتظم ولا ينتهي أبدا، وهذا لا يحدث للإنسان ومعظم الكائنات الأخرى، حيث يتقلص انقسام خلاياها الجذعية بمرور الوقت فتصل الى الشيخوخة” وبهذا الشرح فسرت المختصة بالميكروبيولوجيا عبارة “خالد لا يموت” بأنها عملية تقوية لجينات معينة في “هيدرا” خصوصا جين “فوكسو 3 أي” تجعله يستمر حيا كلما انقسم.
“من يرغب بالعيش 200 عام”؟
وعودة الى الحوت الذي تناقلت الوكالات خبرا في اليومين الماضيين عن اكتشاف العلماء لجينات فيه تجعله يعيش 200 عام، من دون أن يصاب بأمراض الشيخوخة التقليدية، فقد وجدوا أن الجين المسؤول عما وصفوه بـ”تحدي الموت” يتيح لهذا الحوت الطويل، وهو بطول 18 مترا ووزن 100 طن ويعيش في المناطق القطبية الشمالية وقرب جزيرة “غرينلاند” إصلاح الأضرار بحمضه النووي ليقاوم الطفرات المسببة للسرطان وأمراض القلب، مما قد يسمح يوما بدمجه بخلايا الإنسان لمساعدته على إطالة عمره.
والهدف النهائي للعلماء، طبقاً لما ذكرته الكاتبة أوليفيا غولدهيل في مقال لها بصحيفة “تليغراف” البريطانية، هو دمج هذا الجين بخلايا الإنسان مستقبلاً لمساعدته على العيش أطول. لكن “من يرغب بالعيش 200 عام”؟ لذلك نقلت عن الفيلسوف الألماني مارتن هايدغر قوله إن الإنسان يتخذ من الموت حافزاً ليحقق أي شيء “أما إذا عشنا طويلاً فلن نملأ فراغ الحياة بالحصول على الدكتوراه أو السفر في أنحاء العالم، بل سنبقى ننتظر بكسل الألفية التالية للبدء بتحقيق بعض ما نرغب” على حد تعبيره.
أما عن “الهيدرا” وتفاصيله العلمية، فيمكن مطالعة دراسة شيقة عنه ومترجمة قبل 3 سنوات إلى العربية عن مصادر متنوعة تطرقت إليه، وطالعتها “العربية.نت” في مجلة “نقطة” العلمية، وفيها معلومات عن كيف يقتات وكيف يتحرك ويتنقل ويقوم بتعويض شكله، فيما تفنى الكائنات من حوله وتمر بعدها عشرات القرون عليه حتى يلحق بها ويموت.