سي ان ان — لم تعتقد سحر شيخ، البريطانية من أصول باكستانية وأفغانية، بأنها ستعمل على مساعدة العمال الأجانب لدى انتقالها إلى إمارة دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة.
الفكرة راودتها عندما وقفت في طابور انتظار مع طفلها في أحد محال التسوق، وكان أمامها عاملاً من بين خمسة ملايين عامل في الإمارة. ولم يملك العامل حينها ما يكفي من القطع النقدية ليدفع ثمن كيس من الخبز وقارورة صغيرة من اللبن الرائب. وتساءلت شيخ في قرارة نفسها، عما يمكن أن تفعله لمساعدة العامل.
عندها، توجهت إليه قائلة: “يصادف اليوم عيد ميلاد طفلي، واحتفالاً بهذه المناسبة، يمكنك أن تشتري ما ترغب به من هذا الدكان.” فتوجه الرجل من جديد إلى داخل المتجر، وخرج حاملاً بيده قارورة من الحليب بنكهة الفراولة. وقالت شيخ: “لم يحاول استغلالي، بل كان متواضعاً ولطيفاً.”
وعمدت شيخ بعد تسع سنوات من هذه الواقعة إلى تأسيس مبادرة “Adopt-a-Camp”الخيرية، التي تقوم على توفير خدمات لدعم 53 ألف عامل أجنبي موزعين على 52 مخيماً للعمال في دولة الإمارات العربية المتحدة. وعادة ما تقول شيخ: “لدي أربعة أطفال، وتبنيت 53 ألف طفل.. لاشك انها وظيفة غير سهلة.”
نشر المعرفة
وتقوم المبادرة على توفير استشارات للعمال وتنظيم نشاطات لهم خارج المخيمات، فضلاً عن توزيع المساعدات، وتغطية النفقات الطبية أحيانا، إضافة إلى تسديد نفقات مدارس أطفالهم في بلادهم.
ويتمثل العامل الأهم بالنظافة، إذ أشارت شيخ إلى أن: “كل مخيم نتبنى تنظيمه، نعمل فيه على توفير أسرة خالية من الحشرات أو القمل، فنحن نقوم بتنظيف رؤوس الرجال بالشامبو بأنفسنا.”
ولا تقوم المبادرة على نشر المعرفة للرجال وحدهم، إذ يتم تقديم برامج توعية حول النظافة ، حيث تقول شيخ: “معظمهم يأتون من القرى في بلادهم، حيث لا يدركون خطورة الجراثيم، وكيفية تسببها بالأمراض، ولقد رأينا ردة فعل كبيرة لمن قدمنا لهم هذه البرامج، إذ عادوا إلى بلادهم وقاموا بتوعية السكان حول أهمية النظافة في قراهم، وأخبرونا بأن معدلات الإصابة بالإسهال انخفضت وتضاءلت نسبة الوفيات بين الأطفال.”
كما يتم تقديم دورات باللغة الإنجليزية بالتعاون مع الجامعة الأمريكية في دبي لهؤلاء العمال، على أمل أن يقوموا بنشر تلك المعرفة أيضاً.
حقوق العمال
وتعمل شيخ على تفعيل المبادرة معتمدة على وسائل التواصل الأجتماعي، وخاصة فيسبوك، ومن خلال تعاونها مع غرفة تجارة وصناعة دبي، ووزارة العمل في الدولة، ليتم التأكد من أن العمال الأجانب في الدولة مدركون لحقوقهم، خاصة في الحالات التي يتوقف فيها أصحاب العمل عن دفع أجورهم.
وأشارت شيخ إلى أن “المشكلة كانت شائعة خلال الأزمة الاقتصادية، لكنها تحصل الآن بين فترة وأخرى، إذ يقول لنا بعض العمال إنهم لم يتلقوا أجورهم منذ أشهر، وآخرون لعام كامل، وأنهم وعائلاتهم يشعرون بالجوع، لذا نعمل مع وزارة العمل لمساعدتهم في الحصول على مسكن، أو وظيفة أفضل.”
وقالت شيخ إن اللوم يقع على مشغلي هؤلاء العمال وليس على الحكومة، مضيفة بأن قوانين العمل في الإمارات نصت على حماية استغلال هؤلاء العمال، مشيرة إلى أن “القانون ينص بأنه وفي حال لم يدفع أجر العامل، حتى ولو لشهر واحد، يحق له الحصول على أجره، وتذكرة لطائرة تعيده إلى بلده، بالإضافة إلى أي مصاريف خارجية يمكن أن يحتاج إليها.”
ويقول الباحث في منظمة حقوق الإنسان،”هيومان رايتس ووتش”، نيكولاس مكجيهان، بأن ظروف العمالة الوافدة قد أصبحت أفضل من السابق في دولة الإمارات خلال السنوات السابقة، فمن الناحية النظرية يمكن للعمال أن ينقلوا شكواهم إلى المحاكم المختصة بالعمال، ومن المفترض أن يحصلوا على أجورهم، علاوة على تحسن ظروف السكن، ولكن أحيانا لا يتم تطبيق ما كفلته القوانين الصادرة لحماية العمال.
وتساءل مكجيهان عما إذا كان بالفعل تتم عادة محاسبة أصحاب الأعمال في حال إدانتهم بالشكوى؟ هل تتم محاكمتهم؟
ويجيب قائلا: “يبدو أن أسوأ ما يمكن حصوله هو أن تقوم الحكومة باجبارهم على دغع رواتبهم، ولكن إن لم تتم محاسبتهم، فما الذي يعنيه هذا؟”
وقال مكجيهان، الذي منع من الحصول على تأشيرة للإمارات وفقاً لموقع منظمة “هيومان رايتس ووتش”، إن الحرص على شفافية أكثر في الإقليم يمكنها أن تكون خطوة في الاتجاه الصحيح.
وأضاف بأنه ” من المثير للإعجاب وجود أشخاص لمساعدة العمال، لكنه من المهم أيضاً أن يسمح للمنظمات غير الحكومية انتقاد الحكومة على أفعالها عندما تدعو الحاجة لذلك، والتي تمثل جزءا من الحل ، فنحن نحتاج إلى مساعدة الطرف الآخر أيضاً.”
يذكر أنه ورغم التطور الذي حدث من حيث القوانين، فإن الدعوة لضرورة احترام حقوق العمال لا تقتصر على دولة الإمارات العربية المتحدة وحدها، بل وجهت انتقادات واضحة وصريحة ضد دول خليجية أخرى مثل المملكة العربية السعودية وقطر.