“ايس كلام .. مافي معلوم .. فكًر أنا في خوف” ، تبدو هذه العبارات غاية في الغرابة عند قراءتها، بينما لا يستشعر أحد ذلك عند سماعها، وذلك بسبب أن كثيرا من المواطنين دأب على استخدامها عند التحدث مع الوافدين، ممن لا يتقنون العربية، وهو الأمر الذي تسبب في ظهور لغة ثالثة، مشوهة المعالم ركيكة الألفاظ والمعاني، ليست بالفصحى ولا بالعامية.
ويضطر الكثير من المواطنين إلى تعديل مفرداتهم نزولاً لمستوى فهم هذا الوافد الذي لا يعرف العربية، لاسيما مع العمّال في المحال التجارية والمؤسسات، فيما تتمتع كل جالية بلغة ثالثة خاصة بها، تتكون من العربية وشيء من لغة البلد الأم وشيء من الإنجليزية، حيث تختلف اللغة التي تخص الهنود عن تلك التي يستخدمها الباكستانيون، أو الفلبينيون.
وبحسب علم الانثروبولوجيا، تعرٌف تلك الألفاظ، بأنها الألفاظ الفائضة عن مضمون العبارة، أو التعبيرات الغامضة في علاقتها بالوظيفة الإعلامية للغة، حيث تتركز مهمتها في نقل معلومة محددة من المتكلم إلى المستمع، وأحيانا ما تكون وظيفتها إضعاف تأثير المعلومة أو تخفيفها من الخشونة بهدف تسهيل التواصل الاجتماعي بين الناس أو تبسيط مفردات الكلام.
هوية اللسان في خطر
في غضون ذلك، حذر مختصون في اللغة العربية من مغبة تعرض اللغة للتشويه المستمر والانحراف، جراء هذه الممارسات متهمين أفراد المجتمع بالمساهمة في نشر هذه الظاهرة وذلك من خلال تساهلهم في الحديث باللغة الثالثة مع الوافدين وعدم الالتزام باللغة العربية سواء الفصحى أو العامية، وهى معضلة قد تتسرب بلا وعي إلى الأطفال فتغدو عاملا من عوامل الانزياح عن صورة العربية الفصيحة.
ودعا أستاذ النحو بالمعهد العلمي الأستاذ محمود الشامي إلى إلزام العمالة باللغة العربية. مبيناً أن الكثير من هؤلاء يمكثون بالسعودية لسنوات طويلة، ومع ذلك ظلوا عاجزين وغير عابئين بتعلم اللغة بسبب عدم التزامنا بالحديث معهم بالعربية.
وأضاف الشامي لـ العربية.نت: “نحن من ساعدهم وشجعهم على الاستهانة بها ما جعلهم يكوّنون لغة جديدة باتت تشكل خطراً على لغتنا، لاسيما عندما يتعلمها الأطفال، فيكبرون وهم لا يحسنون التحدث بلغتهم الأم”.
اللغة الثالثة
من جهته، قلّل الباحث الاجتماعي عادل بفلح ، من آثار ظاهرة “اللغة الثالثة” على العربية، مبينا أنها تعتبر لغة حديث سريع وليست لغة تواصل، وهي تأتي كإحدى وظائف التعبير اللغوي التي تراعي المسافة الاجتماعية وموازين القوى بين المتكلمين، وبيّن بفلح في حديثه لـ”العربية.نت”، أن هذه الظاهرة عرفت لأول مرة لدى المهاجرين المكسيك بأميركا والتي تأثرت بهذه اللغة كون بيئتها الثقافية غير مستقرة.
وأضاف بفلح “حيث رجح المختصون ارتباط التأثر باللغة الثالثة بالبيئة الأقل تنظيما واستقرارا وتماسكا من الناحية الثقافية، وهو ما يختلف بالنسبة للمجتمع السعودي الذي يحظى بدرجة كبيرة من الاستقرار الثقافي، حيث لا تزال القيم القديمة مستقرة، كما أن القيم الجديدة يتم استيعابها بعد تمحيص، وهناك أرض ثقافية واسعة يعتمد عليها الأفراد في تواصلهم وتعاملهم ، وهذا ما قلل حجم التأثر اللغوي بهذه اللغة الجديدة.