(CNN)- تزايدت حدة الجدل في الشارع المصري خلال الساعات القليلة الماضية، بعد تقدم أحد المحامين ببلاغ إلى النائب العام، المستشار هشام بركات، يتهم فيه الإعلامي “الساخر”، باسم يوسف، بـ”إهانة” الرئيس عبدالفتاح السيسي.
وأكدت وسائل إعلام رسمية ومستقلة أن مشادة كلامية نشبت بين باسم يوسف وعدد من الإعلاميين الذين كانوا يرافقون الرئيس السيسي، أثناء زيارته لمدينة نيويورك في وقت سابق من الأسبوع الجاري، لحضوره اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وكتب الإعلامي خالد أبوبكر في تغريدة على حسابه الخاص بموقع “تويتر” قائلاً: “الآن في مطار نيويورك في طريق عودتنا للقاهرة، باسم يوسف تقابل معي أنا وعماد الدين حسين، وأهان السيسي وتهكم عليه وتلفظ بألفاظ خارجة وعبارات جارحة.”
ولم يفصح أبوبكر عن مضمون “الإهانات” التي وجهها يوسف إلى الرئيس المصري، أو “الألفاظ الخارجية” التي تلفظ بها، وكتب في تغريدة ثالثة: “ليس من العيب انتقاد أي شخص، لكن من قلة الأدب التلفظ بألفاظ خارجة وقبيحة أمام سيدات وأطفال .”
وفور تناقل أنباء المشادة التي شهدها مطار نيويورك، تقدم المحامي المصري، سمير صبري، ببلاغ إلى النائب العام، يطلب فيه من النيابة العامة إصدار قرار بمنع باسم يوسف من مغادرة البلاد، والتحقيق معه بتهمة “سب وقذف رئيس الجمهورية.”
وفي أول رد فعل له، سخر يوسف من البلاغ، وكتب على صفحته بموقع “تويتر” الثلاثاء: “بلاغ بسحب الجنسية وطردي من البلاد، وفي نفس ذات المومنت منعي من السفر.. طب أزاي؟.. على رأي أطاطا: إلهي لا تكسب ولا تخسر وتفضل كده في الأوفسايد .”
باسم يوسف يسخر من دعوى تتهمه بـ”إهانة” السيسي في نيويورك: “طب إزاي؟”
ماذا تقول أنت؟
إن “المحامي” الذي من المفترض أن يدافع عن صحافي أمام القضاء، هو ذاته “المخبر” الذي وشى بالإعلامي الشهير باسم يوسف، عبر ثلاث تغريدات تكفي كل واحدة منها لاتهامه بالكفر والخيانة العظمى.
دعك من أن باسم يوسف كان قبل 30 يونيو الفتى المدلل لجماهير الثورة المضادة، وما حملته على ظهرها من انقلاب فيما بعد.. ولا تعبأ كثيرا بالتفتيش في “جوجل” و”يوتيوب” عن آهات الإعجاب وصيحات التشجيع بمن كان “العندليب” صاحب “البرنامج” المتخصص في الهجوم على محمد مرسي.
كل ذلك مفهوم وطبيعي في زمن الانقلاب، وتبعاته، إذ إن “الانقلاب” في اللغة لا يعني سوى عكس الشيء ونقيض الوضع والحالة.. لكن المفزع حقا أن يكون صاحب البلاغ الطائر عبر “تويتر” متهما باسم يوسف بالعيب في الذات السيسية، والتجديف في عقيدة الانقلاب وشريعته، هو المحامي الذي يتصدى للدفاع عن محمد فهمي، صحافي قناة الجزيرة الإنجليزية وينافح عن حقه في ممارسة مهنة الإعلام وحقه في حرية التعبير.
ثلاثة أدوار (مواطن ومخبر ومحامي) إذن يقوم بها شخص واحد في التصدي لما رآه اجتراء من باسم يوسف على صاحب القداسة العسكرية. النموذج المثالي للمواطن في دولة السيسي، هو ذلك الذي يبلغ به الشطط في عبادة الجنرال أن يبلغ عن كل من ينطق بحرف ضده، أو ينظر إلى صورته على نحو يبتعد عن الإجلال والتوقير، أو لا يصفق وينتفض واقفا إذا سمع اسمه، أو ينطق اسمه غير مصحوب بمفردات الثناء والحمد.
يستوي هنا الأخ والصديق والجار وزميل العمل، فليس بعد الشرك بالجنرال المقدس ذنب، ومن ثم لا غضاضة في أن يتحول الجميع إلى مخبرين ضد الجميع، لا فرق بين من يفعل ذلك طمعا في عطاياه، أو خوفا من عقابه، أو استنزالا للعناته على من يختلف معهم على شيء، أو “استنذالا ” من أجل النذالة، على طريقة الفن للفن.
هذا المواطن السيساوي القح، يمكن أن يكون موظفا عاما، أو صحافيا، أو محاميا ضل طريقه إلى الإعلام، ويمكن أن يكون أيضا إماما في مسجد، أو واعظا في كنيسة، أو سائق تاكسي، أو أستاذا في الجامعة، أو تلميذا في مدرسة.. ذلك أن البقاء في مصر صار للأوفى للانقلاب، والصعود، للأحسن بلاء في تسليم أكبر عدد ممكن من “أعداء النظام” أو “أعداء الوطن” كما كان يفهم جندي الأمن المركزي في فيلم “البريء” للممثل الفذ الراحل أحمد زكي.
والغريب أن هذا المواطن لم يعد يعنيه الحفاظ على ذلك الخيط الرفيع بين كونه “إنسانا مصريا” أو “خفيرا” نظاميا كان أم منتسبا أم متطوعا في وقت الفراغ، ما دام معيار الوطنية هو “أن تبلغ أكثر”. والحقيقة أن نموذج “الدركي” أو “عسكري الأمن المركزي” في الصحافة المصرية والعربية ليس جديدا، غير أنه يمر بمراحل تمدد وانكماش تبعا للوضع السياسي، ففي عصور الانحطاط يصبح المطلوب لصعود منبر إعلامي رسمي أو شبه رسمي هو مؤهلات الخفير النظامي، حيث يكفي أن يصرف لكل واحد منهم مجموعة من العبارات المحنطة في توابيت الوطنية الزائفة مثل “سمعة مصر” و”باعوا نفسهم للشيطان” و”التطاول على مصر” و”مصر كبيرة ورائدة العرب” لكن الجديد الآن هو “المساس بذات السيسي المقدسة”.