(wir schaffen das)، هذه الجملة تعني بالألمانية، “نحن قادرون على الإنجاز”، أخذها مضر الشيخ أحمد شعاراً له وعمل به منذ خروجه من سوريا عام 2013 حتى وصوله ألمانيا بالخطأ بعد أن وضع في قرارة نفسه اللجوء إلى السويد. لكن ظروف الهجرة وقوانين الدول التي مرّ بها دفعته لتحويل وجهته إلى ألمانيا التي لم يعلم أنها ستكون البوصلة التي ستغير من حياته من شاب فلسطيني حلبي إلى “طباخ” وصلت شهرته قصر الرئاسة الألماني.
صاحب الـ31 ربيعاً، فاجأ “العربية.نت” بدايةً بعدم خبرته بفن الطبخ عند وصوله ألمانيا، لكنها كانت هواية تطورت بمشروع الاندماج الذي أسسته جمعية أوبر دين تيلراند كوخن، التي شارك فيها مضر وتسعى في أهدافها إلى تحقيق عملية اندماج طويلة الأمد عبر بناء مجتمع متعدد الثقافات، من خلال مشاريع متعددة بينها الطبخ، يشارك فيها كل فئات المجتمع، بحسب موقعها الرسمي: “هذا ما حفزني لتطوير هوايتي في المطبخ السوري كان الهدف نشر الثقافة السورية واللقمة الطيبة بنفس الوقت، وبحمد الله حصلت على جائزة أفضل طباخ في برلين لعام 2015 أنا ومجموعتي”.
مضر أوضح أن فكرة المشروع التي بدأت من مشروع تخرج لأربعة طلاب ألمان تقوم على تقريب اللاجئين السوريين من الشعب الألماني من خلال الطبخ وتشارك المعرفة: “بدأنا بتطوير فكرة المشروع لأن الطبخ رابط عالمي فالجميع يحب الأكل”.
وأضاف: “اجتمعنا كثيرا وقمنا بتعزيز العلاقات مع بعضنا البعض فأصبحت المجموعة عبارة عن نافذة للدخول إلى المجتمع الألماني ثم تطورت المجموعة ونلتقي بشكل أكبر وكان هناك شعور جميل بين اللاجئين والألمان للتعرف على بعضهم البعض”.
ولأن المشروع ليس تجارياً، عمل مضر على ابتكار فكرة لتأليف “3” كتب لفن الطبخ وتتضمن وصفات طبخ للاجئين في ألمانيا تحوي كل صفحة على قصة لاجئ ووصفته الخاصة، فأصدروا 3 كتب وطرحوها للبيع ضماناً لاستمرار المشروع: “تضمن أحد الكتب 36 وصفة من لاجئين يقيمون في مخيمات، قمنا بسرد قصصهم والمشاكل التي واجهتهم مع وصفاتهم”.
وأوضح مضر أن الكتاب الثالث جمع وصفات أعدها لاجئون ذوو خبرة في الطبخ برفقة طباخين مشاهير من دول كألمانيا وفرنسا وأميركا والبرازيل، أجروا تعديلات عليها قبل أن يقدموها.
الأكل السوري اللذيذ، داع صيته في ألمانيا، ما دفع مضر ومجموعته إلى إعطاء دروس بالطبخ للألمان: “كبرت المجموعة وأصبحنا ندعو الألمان من الجامعات والمجتمع واللاجئ اعتبرها نوافذ للمجتمع الألماني”.
قصة اللقاء مع رئيس ألمانيا
الأكلات الشرقية وصلت رائحتها إلى قصر الرئاسة في ألمانيا، الأمر الذي دفع الرئيس الألماني يواخيم غاوك إلى دعوة المجموعة مرتين، الأولى كضيوف شجعهم على أعمالهم، والثانية كطهاة تعلم من مضر فيها “صناعة التبولة”، وفي ذلك قصص طريفة ذكرها مضر لـ “العربية.نت”.
في تفاصيل اللقاء، يذكر مضر أن الرئيس الألماني يواخيم غاوك تواصل معنا منذ بداية العمل ودعمنا وساعدنا على توسعة المشروع إلى مدن ألمانية أخرى، وصلت إلى 23 مدينة: “لدينا اليوم 23 فرعا في 23 مدينة وربحنا جائزة أفضل طباخ في برلين لعام 2015”.
وقال مضر: “للتبولة قصة، حيث دعانا غاوك في سبتمبر الماضي إلى احتفال المواطن، الذي ينظمه الرئيس سنوياً في حديقة قصره بيلفو، فأخذنا معنا مطبخنا المتحرك. وعبر غاوك عن رغبته حينها بحضور درس طبخ مع زوجته التي تمتلك فكرة مسبقة عن التبولة، فاقترحت عليه تعليمهما طريقة إعداد التبولة السورية، وهذا ما حدث”.
في الأثناء، أراد الرئيس الألماني أن يظهر للعلن عبر شاشات “التلفاز” الألمانية نوع النشاطات التي تقدمها المجموعة، حيث إن دروس الطبخ هي أحد النشاطات التي نقدمها للدعم المادي للمجموعة، إلى جانب فرق رياضية، وأخرى للرقص والغناء، وأنشطة متنوعة، منها ما هو مخصص للفتيان، إلى جانب يوم خاص بالنساء، يجتمع فيه سيدات لاجئات مع سيدات ألمانيات.
وحول ما دار بينه وبين الرئيس الألماني، أوضح مضر أنه تحدث عن شعوره كلاجئ: “أخبرته أنني لا أشعر بنفسي كلاجئ فالألمان يعاملوني على أنني منهم، وأشعر كما لو أنني في سوريا. هم لم يتوانوا لحظة عن تقديم المساعدة لي”. الرئيس الألماني الذي ذاق طعم التبولة في زيارة سابقة إلى الأردن، كشف لـ “مضر” عن أن مذاق التبولة السورية ألذ من الأردنية، في موقف طريف علم فيه مضر طريقة سورية يتم فيها أكل التبولة الرئيس الألماني فطلب منه لف ورق الخس بالتبولة وتناولها دون معالق أو أدوات مطبخ، وعندما جربها قال الرئيس الألماني: أشعر أنها طازجة أكثر.
وروى مضر لـ “العربية.نت”، كيف مازح الرئيس الألماني: “عندما سألني الرئيس لماذا أستعمل الملعقة في عصر الليمون، رددت مازحاً بأننا في سوريا لا نملك عصارات ليمون”.
وتحدث “مضر” أيضاً، عن حفل يقيمه عمدة برلين مرة واحدة كل عام: “ونحن من قام بتقديم الطعام في هذا الحدث”.
المشروع لم يرد له “مضر” التوقف في ألمانيا فقط، بل التوسع في دول أوروبية أخرى عبر مطبخ “جوّال: “نجحنا في جمع عدد كبير من أبناء خمسة بلدان أوروبية، هي: فرنسا وهولندا وإيطاليا وبلجيكا والسويد، مع اللاجئين المقيمين فيها، للطبخ معاً لمدة شهر. الرحلة عبارة عن ستة شهور حول أوروبا. ونجحنا في جمع ما يقارب الـ 20 إلى الـ 40 شخصاً في المطبخ يومياً”.
“مضر” الذي قال إنه لا وجود لكلمة مستحيل لديه، اعترف بأنه لم يفكر بالوصول إلى هذا المستوى: “لكني فخور بالمرحلة التي وصلنا لها. الآن يوجد 9 موظفين ثابتين ونحو الـ 40 متطوعا”. وفي سؤال هل ستعود إلى سوريا مستقبلا؟ أجاب “مضر”: لن نكون عالة على المجتمعات التي توجهنا إليها، كل سوري هو شخص فعال ومتعلم ولديه طموح وسنثبت للعالم ذلك. بالطبع إذا لم يعد الشباب السوري لإعمار سوريا من سيقوم بذلك؟