اضطرتهم ظروفهم القاسية والصعبة التي يشهدها وطنهم إلى الهروب من الواقع المرير، الذي تدفعهم فيه آلات القتل و الدمار و الجوع في كل زمان ومكان إلى المجهول، حتى لو كان هذا المجهول هو جزيرة اسكتلندية نائية لا يعيش فيها سوى كبار السن، الذين ينتظرون نهاية رحلتهم في الحياة، ليموتوا في صمت في ذلك المكان، الذي يعتبرونه مقبرة الحياة الخضراء الواسعة، قبل أن يضمهم تابوت الموت الضيق.
نشرت صحيفة “الديلي ميل” البريطانية قصة أسرتين سوريتين من بين 15 أسرة سورية لاجئة تعيش على هذه الجزيرة، في إطار خطة الحكومة لتوطين 20 ألف لاجئ في بريطانيا بحلول عام 2020، وهاتان الأسرتان وضعت لهما الجريدة أسماء مستعارة في التقرير، خوفاً على حياة أفرادهما الذين اضطرتهم ظروفهم التعيسة للعيش بجزيرة “بوت روثسي” الاسكتلندية البريطانية وسط هؤلاء الموتى الأحياء، مما تسبب في إصابتهم بحالة من الاكتئاب الجماعي، الذي لا يجدون بديلاً عن قبوله، فهو أحسن كثيراً من واقع وطنهم التعيس.
يقول عبده (42 عاما)، أحد أفراد الأسرتين السوريتين اللتين وصلتا إلى الجزيرة “لقد كنت سعيدا في البداية عندما نجوت وأسرتي من ويلات الموت في وطني الجريح، ولكنني الآن أشعر بالعزلة والاكتئاب على الجزيرة منذ حضورنا هنا قبل ثمانية أشهر وعلى الرغم من محاولتنا تعلم اللغة الإنجليزية والاندماج وسط السكان الأصليين كبار السن الذين حضروا هنا في انتظار الموت، ولكننا وجدنا صعوبة بالغة بسبب شبح الموت الذي يطغى على المكان وسكانه”.
ويضيف عبده “لم أكن أتوقع أن نأتي إلى هذه الجزيرة لقد كنا نظن أننا ذاهبون إلى لندن أو مانشستر. ولكن كان ذلك إجباريا من الحكومة، حيث ربطوا مساعدتنا بالقبول بهذا المكان الكئيب الذي نشعر فيه بالإقامة الجبرية المهينة”.
وقال عبده شعرت بالإهانة من قبل موظفي المجلس، مما دفعني لمحاولة الانتحار بقطعة من زجاجة، مما تسبب في نقلي إلى المستشفى.
وتقول زوجة عبده رشا (35 عاما) التي تعيش معه وأطفالهما الأربعة “على الرغم من جمال اسكتلندا إلا أن هذه الجزيرة يعيش فيها أناس من كبار السن فقط يأتون إليها للموت، ومع أنهم وجدوا تعاطفاً ومساعدات كثيرة من السكان فإنهم يشعرون بالاكتئاب والعزلة عن العالم الخارجي والحياة العامة”.
وتضيف رشا “من الصعب حقاً أن تترك بلدك.. لكن كنت قلقة على أطفالي، وهربنا عن طريق الاختباء في سيارة خضراوات وأمتعة من منطقتي التي كنا نتعرض للموت فيها يوميا، بسبب قصف الطائرات في ظل حياة صعبة وقاسية بدون ماء ولا كهرباء ولا غذاء”.
ويشاركهم هذا الشعور اللاجئ السوري الآخر حسن (41 عاما) وزوجته فاطمة، وهي شقيقية رشا (31عاما) وابنتاه (9، 11 عاما) الذين دفعهم حظهم العاثر للعيش على هذه الجزيرة الكئيبة، حيث يقول حسن “نحن نكافح للتأقلم والعيش على هذه #الجزيرة في البداية بالطبع، كنت سعيداً حقاً أن نأتي إلى المملكة المتحدة بلد الحرية والديمقراطية، ولكننا فوجئنا بأنه لا خيار لدينا سوى قبول عرض الحكومة البريطانية بالعيش على تلك الجزيرة النائية، التي يعيش عليها بيض في النزع الأخير من حياتهم”.
وتقول زوجته فاطمة “لقد عاملني سكان الجزيرة بشكل جيد حقاً، ولطيف واسكتلندا منطقة جميلة وأنا أحب الطقس. هنا كما أحب فصل الشتاء ولكن عزلتها هي ما أزعجتني أنا وبناتي”.
ويبلغ عدد سكان جزيرة “بوت روثسي” 6498 مواطنا اسكتلنديا فقط، ويزداد عددهم إلى الضعف في فترة الصيف، حيث ينشط موسم #السياحة ولا يوجد بين هؤلاء السكان الأصليين ذوي البشرة البيضاء سوى 0.3% من سكانها من الأقليات العرقية ومتوسط أعمار المقيمين فيها يتراوح بين 55 و59 عاما، وفقاً للأرقام #الرسمية كما تشير تلك الأرقام إلى أن معدل البطالة فيها مرتفع، كونها من المناطق الأكثر إهمالا في اسكتلندا على الرغم من إعلان اسكتلندا رغبتها في توطين 1000 لاجئ في تلك المناطق والجذر النائية فيها.
وتم منح اللاجئين – وفق الوضع الإنساني – حماية خمس سنوات وتصريحاً بالعمل والحصول على منحة جيدة من #الحكومة للعيش لمدة اثني عشر شهرا.
وكان مجلس جزيرة “بوت” قد شارك في مبادرة قبول 100 لاجئ من بين 1000 لاجئ أبدت اسكتلندا قبولهم على أرض الجزيرة العام الماضي، ووصل منهم 12 أسرة بالفعل حتى الآن.
وقد تم اختيار الأسرتين من قاعدة بيانات الأمم المتحدة، بعد التسجيل كلاجئين في لبنان قبل نحو أربع #سنوات حيث تعرض كل من عبده وحسن للتعذيب في وطنهما، وتمكنا من الهروب من حي بابا عمرو في حمص، الذي دمره قصف نظام بشار الأسد.
وقال متحدث باسم مجلس منطقة أرغيل وبوت الاسكتلندية “نحن نشعر بخيبة أمل أن عائلتين ليستا سعيدتين على بوت”.
وأضاف “هذه ليست وجهة نظر غالبية اللاجئين، الذين يعيشون على الجزيرة، وأوضاعهم جيدة ونقدم لهم الكثير من الدعم والفرص للعمل والحياة “.