مضت ثلاثة أعوام منذ أن بدأت ظاهرة برامج “يوتيوب” في السعودية بشكل متزايد، وتضخمت معدلات المشاهدة حتى تجاوزت الأرقام حاجز المليون والمليوني مشاهدة، ثم فجأة اختفت برامج كثيرة، فيما ظهرت برامج أخرى في مواعيد غير منضبطة وبشكل مكرر في المحتوى والطريقة والأسلوب الذي يبدو أنه لم يعد يثير دهشة الناس.
قبل عام تقريباً أخبرني مسؤول تسويق في إحدى الشركات المنتجة لعدد من برامج اليوتيوب أنه شخصياً لم يستطع أن يحصل على ريال واحد طوال ستة أشهر مقابل رعاية أحد البرامج التي تنتجها الشركة على يوتيوب، قبل سنة فقط كان الكثير من منتجي البرامج الكوميدية يبحثون عن يوتيوب للحصول على مشاهدين أكثر وأموال تصب عليهم من كل اتجاه، لكن التجربة لم تنجح بشكل كامل.
عدد من أبطال يوتيوب الذين خرجوا في البداية يبشرون بإعلام جديد ومستقل كان بعضهم لا يملك شهادات إعلامية متخصصة أو خبرات إعلامية سابقة لم يكونوا يعلمون أنهم يقومون فقط بتقديم برامج كوميدية تعتمد على أخبار يتم أخذها من الصحف ثم التهكم على ما جاء في تلك الأخبار، وهذه الطريقة بالذات تم استنساخها في أكثر من برنامج حتى أصبحت هذه البرامج وكأن من يعدها ويخرجها شخص واحد ويقدمها عدة أشخاص.
بعد عامين انتبه بعض أبطال البرامج إلى أن يوتيوب ربما لا يقدم له شيء أكثر من شهرة مؤقتة لا تمنحه أكثر من متابعين في كل مكان وبدون مقابل، توقف بعضهم عن شتم التلفزيون ووصفه بالإعلام القديم وقرر البحث عن فرصة تأخذه إلى هذا العالم، عدد آخر استسلم لإغراءات الإعلانات التجارية وفضل أن يكون بطلاً يقتصر دوره على محاولة إقناع الناس بشراء منتج ما، وهذا ما جعل مراقبين يرون أنها نهاية سريعة ومتوقعة لظاهرة لم يتم التخطيط لها جيداً.
دخل السعوديون العام الجديد وهم يغزون هواتف بعضهم ويتناقلون بين أصدقائهم مقاطع كوميدية مركبة إما على أشخاص ظهروا في انستقرام أو في برنامج كيك، وقبل عامين كانت روابط هذه البرامج هي ما يتم تناقله والاحتفاء به، لكنها غابت بعد ذلك عن الاهتمام بعد ظهور كيك في 2013، وتغيب الآن بسبب هذه المقاطع التي يبدو أنها حلت في مكان هذه البرامج على الأقل في طريقة الانتشار.
إحدى مؤشرات هذه النهاية لهذه البرامج يراها مراقبون في تحول شركات قدمت نفسها في البداية على أنها محاولة لتطوير الإعلام وتقديمه بشكل جديد إلى مجرد وكالات للإعلان التجاري تعتمد على الفنيين العاملين في الشركة والممثلين الذين باتوا يظهرون في هذه الإعلانات أكثر من ظهورهم في برامجهم التي توقفت أو التي لازالت تنتج لكن بمواعيد غير منضبطة.
لكن المستفيد الوحيد بعد كل هذه التجربة القصيرة بحسب مراقبين هم من تخلوا عن فكرة التفتيش عن قضايا تهم الناس وتسليط الضوء عليها كما ظهر في بدايات برامجهم حين كان الناس يبحثون عن بطل يناقش أوضاعهم بكل بساطة.
غير أن هذه البساطة كانت كافية جداً بحسب المراقبين أيضاً للحصول على متابعين أكثر من المعقول يتيح لبعضهم طرحهم كورقة ضغط عند مفاوضاته في الحصول على فرصة أخرى وعمل جديد ليس له علاقة بالإعلام الجديد أو تسليط الضوء على قضايا الناس، وكأن هذا هو ما قصم ظهر برامج يوتيوب في السعودية وتركها مجرد مقاطع ملها الناس الذين لم تعد تدهشهم هذه البرامج، وربما حتى الأشخاص الذين ظهروا فيها.