يكثر خلال موسم الصيف ما يعرف ب”الزواج السياحي” خاصةً في البلدان التي يقصدها السياح كدول شرق آسيا، حيث يندرج تحته العديد من المسميات أبرزها ما يعرف «بزواج أوطلاق البوردنق”، والذي يُعد ظاهرة تتطلب العلاج من الجذور، وتكمن أسبابه في العادات والتقاليد التي تسهم في تأخر الزواج داخل مجتمعنا.
وبحسب صحيفة الرياض التي أعدت تقرير عنه ان “طلاق البوردنق” يتمثل في زواج الشاب طيلة أيام وجوده في البلد الخارجي بعقد مصدق ومحامٍ وشاهدين، وحينما يتجه إلى المطار للمغادرة وقبل أن يقطع كرت صعود الطائرة -البوردنق- يُشهّد من حوله بأنه طلّق زوجته ويسميها، غير عابئ بما سيترتب على ذلك في المستقبل، حيث يتفشى ذلك بصورة علنية، ويُدار من خلال سماسرة تعمل بالخفاء والعلن تحت مسميات شتى، والذي يُعد تحايلاً على القانون، مما أوجد إشكالات لا حصر لها، وخلّف تأزماً في العلاقات بين الدول؛ لأن هذا النوع من الزواج لا يمر وفق القنوات الشرعية.
إن ما نلاحظه من كثرة الزواج السياحي ومن ثمَّ حدوث “طلاق البوردنق” يتطلب منّا تكثيف التوعية والتوجيه لشبابنا قبل بداية أي إجازة، بأن يكونوا على بيّنة من أمرهم، وأن يكونوا سفراء لوطنهم، كذلك لابد أن تتحمل وسائل الإعلام الدور الكبير في توعية وتثقيف المواطنين وتقديم النصائح لهم، إضافةً إلى ضرورة دعم الشباب الراغبين في الزواج من الداخل وتخفيف الأعباء عليهم.
وقال أبو سالمين -مواطن مقيم في إحدى دول شرق آسيا بشكل دائم-: أول مرة أتيت لهذا البلد تلقفني سماسرة ينتشرون في المطار، يبرزون كرتهم تحت مسمى “مأذون أنكحة زواج “، لم يكن في بالي الزواج، لكن حتى لو لم يدر بخلدك موضوع الزواج السياحي، أو ما يسمى ب”طلاق البوردنق” ومسمياته العديدة، فإنهم يحاولون تزيينه لك بكل السبل؛ لأن السماسرة هنا في المطار بالذات ينشطون مع توافد السياح، مضيفاً أن أكثرهم يستغل نقاط ضعف السياح، فإذا كان السائح من الفئة المتدينة، جاءه من باب إعفاف النفس عن الحرام، وإن كان من فئة الشباب جاءه من باب المتعة.
وحكى لنا قصته مع السمسار عبدالله الذي سبق وعمل في المملكة فدرس عاداتنا وتقاليدنا واستغلها في سمسرته، حيث يرى -من وجهة نظره- أن كل مشكلة لها حل، فيحاول من خلال معرفته بالمواطنين استغلال نقاط ضعفهم في هذا الجانب فيعزف عليها، مضيفاً: “كانت بداية التعرف عليه، عندما كنا نبحث أنا وزميلي عن مكان لإقامتنا في إحدى المناطق السياحية المشهورة، فالتقانا وتقدمنا بدراجته النارية واستعرض لنا الفلل المطروحة للإيجار، وبعد أن استأجرنا إحداها بدأ يرمي شباكه علينا واحداً تلو الآخر، مستخدماً لكل منا السلاح الذي يناسبه، وابتدأت السمسرة، أوعزت لمرافقي أن يبادره بطلب الزواج، فرحب عبدالله، وسأله هل تريد الزواج لفترة معينة، أم تريد الزواج الحقيقي، فتداخلت أنا وقلت له: كيف هذا وكيف ذاك؟، قال: أما الزواج لأيام معدودة فله حسابه، وموجود بكثرة، ويسمى (متا) يقصد متعة فنهره مرافقي، هذا حرام، فتراجع عن كلامه، وبدأ يقلب على الوجه الآخر فقال: “ليش مافي سوي زواج (شري) يقصد شرعي؟”، فسأله كيف يتم ذلك؟، قال: هذا لا يتم إلاّ بالقرى الفقيرة حيث يتم خطبة الفتاة من ولي أمرها، وفي منزلها ولكن هذا النوع من الزواج باهظ الثمن، وهنا بدأ الاستغلال”.
وأوضح بو سالمين أنهم دخلوا بمفاوضات مع السمسار عبدالله لسبر أغواره لمثل هذه الزيجات التي يكتنفها الغموض والتحايل والغش، والمغلفة بالأمراض الجنسية التي لا تعد ولا تحصى، مضيفاً: “بدأت رحلة المفاوضات التي أردنا منها ألاّ تتم، ولكن لزوم التعرف على مزيد من النصب والاحتيال، فجلب لنا أحد السائقين الخبير بمكامن الأمر، فجال بنا السائق فيصل الذي يعرف أماكن الضحايا، واصطحب معنا المُمَلّك وشاهدين كي يتم العقد سريعاً لمن أراد الزواج منا وبأقل من دقائق، وقام المُمَلّك بذم الزواج الذي يتم سريعاً بدون تثبت، وقال: ذاك النوع من الزواج يطلقون عليه اسم نكاح المتعة، فتدخل مرافقي وبين له أن هذا النوع من الزواج محرّم شرعاً، وبيّن له أن الزواج الحلال يأتي مكتمل الشروط التي هي: الإيجاب والقبول والولي وكاتب عدل وشهود، ويكون الهدف منه استمرار الحياة الزوجية بين الطرفين، كل ذلك الكلام يريد المُمَلّك من خلاله إقناعنا أن هذا الزواج الذي نسير إليه هو الزواج الصحيح والشرعي، أمّا الزواج المؤقت أو المشروط بساعات أو أيام معدودة فهذا زواج محرّم مهما تغيرت التسميات”.
والتقينا شاباً سعودياً آخر، يدعى راجي عبدالله، وكشف لنا عن ما يعرف بالزواج بنية الطلاق اوما يعرف “طلاق البوردنق”، حيث يتزوج الشاب طيلة أيام وجوده في هذه البلد بعقد مصدق ومحامٍ وشاهدين، وحينما يتجه للمطار يريد المغادرة إلى بلده وما أن يقطع كرت صعود الطائرة -البوردنق- إلاّ ويشهد من حوله بأنه طلّق زوجته في هذا البلد ويسميها، والتي تزوجها بعقد زواج شرعي الغرض منه إشباع رغبته الجنسية فقط، غير عابئ بما سيترتب على هذا الزواج في المستقبل، وما مصير مطلقته بعد رجوعه لبلده، متأسفاً على أن مواطنين وقعوا ضحية مثل هذه الزيجات بمساعدة مكاتب زواج يغرونهم بتوفير فتيات بعمر الزهور، خاصةً ممن أعوزتهن الحاجة، وتلك الفتيات يضعن في بالهن أنهن حصلن على زوج المستقبل غير مدركات أن هذا الزواج لن يدوم سوى أيام معدودة لتعود هي من حيث أتت.
وعن كيفية الحصول على زيجات من هذا النوع، أوضح المواطن حاتم يزيد أنه حكى له أحد السعوديين قصته قائلاً: لأول مرة في إحدى الدول الشرق آسيوية وعندما كنت بإحدى بالمطاعم العربية، جاءني رجل تبدو عليه ملامح الوقار وسألني: “هل تريد الزواج من فتاة جميلة صغيرة؟”، فدهشت من سؤاله وقال: “لا عليك، لدي بنات أقربائي أبحث لهن عن رجال من العرب يسترهن”، فأبديت له رغبتي في الزواج، فأخذني إلى مكتب يقع بالقرب من هذه المطاعم لإتمام عقد الزواج، فوجدت أحد الرجال الذي تبدو عليه سمات الرجل الصالح ولديه مكتبة غنيه بالكتب الدينية، وبعد قليل أحضروا عدداً من الفتيات اللاتي لاتتجاوز أعمارهن ال”١٩” ربيعاً، وأجلسوهن أمامي، وقالوا اختر ما تريد منهن لنعقد لك، علماً أن ما تراهن أمامك عذراوات، فوقع اختياري على إحداهن، وتم تحديد المهر وأحضروا المأذون وشاهدين، وتم عقد القران بالطريقة الشرعية، بعدها اصطحبت زوجتي لمقر إقامتي، واتفقت معها أنني إذا أردت أن أسافر فسوف أطلقها فوافقت، وهذا ما اشترطته في العقد ورضيت به، وقمت بطلاقها من المطار وأشهدت على ذلك اثنين من المرافقين، وهذا أعتقد أنه ليس فيه محظور شرعي!.
من جهته طالب د.عادل الدوسري الجهات المسؤولة في تلك البلدان الوقوف بوجه السماسرة الذين يقومون بتجهيز ولي أمر مزور وشهود ومأذون لعقد الزواج الوهمي، متمنياً تكثيف التوعية والتوجيه لشبابنا قبل بداية أي إجازة، خاصةً في المنافذ لكي يكون المسافر على بينة من أمره وتبين له الثواب والعقاب، وأنه يجب أن يكون سفيراً لبلاده بالفعل، مُشدداً على ضرورة أن يكون لوسائل الإعلام دور كبير في توعية وتثقيف المواطنين وتقديم النصائح لهم.
وأكد د.صالح الحربي على ضرورة استمرار تحذيرات قسم الرعايا في سفارات المملكة للسياح السعوديين من سماسرة الزواج الذين يتواجدون في المطارات وفي الأماكن التي يرتادها السعوديون، ويوزعون كروتهم الشخصية على السياح، خاصةً العزّاب، مما يجعل المواطن ينجرف وراء تلك المغريات، مضيفاً أنه يتوجب على طالب الزواج من الخارج إذا كان جاداً أن يكون حاصلاً على الموافقة الرسمية الصادرة من وزارة الداخلية ومن ثم يتوجه للسفارة لتقديم أوراقه، والأخذ بإرشادات السفارة حتى لا يقع ضحية النصب والاحتيال، مطالباً من يتعرض لمشاكل بالخارج الاتصال بالسفارة؛ لتمكينها من أداء واجبها في الوقوف إلى جانبه.
بدوره قال د.عبدالرحمن الصبيحي -اختصاصي نفسي-: إنَّ هذا النوع من الزواج ينشأ من رغبة الفرد بالمتعة الجنسية البحتة، متأسفاً أن مثل هذه الزيجات السريعة وجدت الأرض الخصبة لها من خلال مجتمعات اتخذتها مهنة للتكسب، مؤكداً على أنَّ هذا الزواج مرفوض اجتماعياً، وقد يشوبه محاذير دينية، مبيناً أنَّه قد ينتج عن هذا النوع ضحايا هم الأبناء فيتشردون وينقلبون على مجتمعاتهم، إذا لم يتم الاعتراف بهم، إلى جانب ما قد يلحق المتزوج من ضرر نتيجة احتمال
امتهان زوجته هذه المهنة، فتنقل إليه بعض الأمراض؛ لأنَّها قد تتزوج بأكثر من رجل في وقت قصير، لافتاً إلى أن هناك ضغوطاً اجتماعية قد تدفع الشباب لمثل هذا الزواج، من بينها غلاء تكاليف المهور، مشدداً على ضرورة دعم الشباب الراغبين في الزواج من الداخل وتسهيل أمور السكن لهم وتخفيف أعباء الزواج.
حذّر د. توفيق السويلم -رئيس الجمعية الخيرية لرعاية الأسر السعودية في الخارج (أواصر)- من هذا النوع من الزواج، موضحا أن معظم زيجات السعوديين من أجنبيات فاشلة في حالات مشابهة، خاصةً إذا كان الدافع وراء الزواج مادياً أو جسدياً، لافتاً أن المشكلة الكبرى في هذه النوعية من الزيجات عندما تثمر عن أبناء، فقد يصبحون عرضة لمشاكل تربوية وتعليمية ونفسية شتى، ناهيك عن ضبابية المستقبل لهم؛ مبيناً أنه انتشرت ظاهرة الزواج العشوائي من الخارج خلال السنوات العشرين الماضية بشكل ملفت للنظر، كما ظهرت مسميات لها لم تكن معروفة في سابق الزمان مثل العرفي، المدني، المسيار، المسفار، السياحي، الصيفي، بنية الطلاق وغيرها. ذاكراً أنه ساعد على ظهور وانتشار هذه الأنواع من الزيجات أسباب عديدة لعل من أهمها رغد العيش الذي يعيشه بعض الناس، وتوفر المال لدى البعض منهم، والمغالاة في قيمة المهور والتكلفة العالية لمتطلبات وحفلات وتجهيزات الزواج، تماشياً مع ظاهرة المفاخرة والتباهي الاجتماعية التي دفعت العائلات لأن تطلب أعلى المهور والتكاليف لتزويج بناتهن، في الوقت الذي تراجع فيه الوضع الاقتصادي للمجتمع.
وأشار إلى أن مما ساعد على هذه الزيجات ظهور فتاوى عشوائية من هنا وهناك تبررها، إضافةً إلى قلة الشعور بالمسؤولية لحفظ كيان الأسرة والتضحية من أجلها، خاصةً بعد وجود الأبناء، كذلك عدم الاهتمام بالعواقب الوخيمة لتفكك الأسرة واختلاف العادات والقيم.