علّق الإسلاميون الذين يقودون الحكومة في تونس وأحزاب المعارضة المحادثات بشأن تشكيل حكومة انتقالية جديدة بعد أن فشل الجانبان في الاتفاق على تسمية رئيس وزراء جديد.
ووجّه ذلك ضربة إلى آمال إيجاد حلّ سريع للمأزق السياسي في البلد الذي بدأت فيه انتفاضات “الربيع العربي” في 2011.
“الحمار الوطني”
وأفاق التونسيون الثلاثاء، على صفحاتهم في مواقع التواصل الاجتماعي على صورة تم تبادلها بكثرة يظهر فيها حمار وهو معلق إلى السقف مرفوقا بعبارة “تعليق الحمار الوطني” في سخرية من النتيجة التي آل إليها الوضع.
ويعود استخدام عبارة الحمار بدلا من الحوار، إلى جلسة افتتاح مؤتمر الحوار الوطني قبل أسابيع عندما أخطأ عميد هيئة المحامين، وهي إحدى أطراف المنظمات الأربع التي ترعى الحوار إلى جانب الاتحاد العام التونسي للشغل واتحاد أرباب العمل ورابطة الدفاع عن حقوق الإنسان.
فبدلا من أن يقول “افتتحنا على بركة الله هذا الحوار الوطني” قال عميد المحامين عبد الستار بن موسى “افتتحنا على بركة الله هذا الحمار الوطني” مما أثار ضحك الحاضرين وموجة ساخرة قوتها تجددت في أعقاب إعلان الفشل.
وأثار إصرار حركة النهضة على ترشيح السياسي المخضرم أحمد المستيري، الطاعن في السن والذي يتوكأ على عصا عند التحرك مفاجأة بعد أن كانت تحرص في اللحظات الأخيرة على التنازل أكثر فأكثر، وهو ما اختلف هذه المرة.
ورغم أنّ عدة أوساط، من أبرزها زعيم الجبهة الشعبية المعارضة حمة الهمامي، نحت باللائمة في الفشل على حزب المؤتمر من أجل الجمهورية وزعيمه التاريخي الرئيس المؤقت منصف المرزوقي، إلا أنّ أوساطا كثيرة من المعارضة نبهت إلى أنها كانت تتوقع نكوص النهضة عن تعهداتها.
لكن مصادر من داخل الائتلاف الحاكم نفت ذلك قائلة إنّ التعنت كان من جانب المعارضة، حيث أنّ الشرعية مازالت إلى جانب الحكّام إلى حين إجراء انتخابات جديدة، كما أنّ من اقترحتهم المعارضة ليسوا مستقلين وإنما ينتمون إلى مختلف أحزاب المعارضة وبالتالي فإنّه من غير المعقول بذلك.
لكنّ وعلى غرار مصر، يبدو مفهوم الشرعية في تونس محل تنازع بل إنّه من بعض الأوجه، يبدو يلعب لمصلحة المعارضة حسب بعض الأوساط، لاسيما أنّ الائتلاف الحاكم مستمر الآن لمدة أكثر من سنتين رغم أنّ “الدستور الصغير” وهو وثيقة كانت تنظم الحياة السياسية في تونس قبل إجراء الانتخابات وفي ظل تجميد العمل بالدستور السابق، وتم التوقيع عليه من الجميع، يشير إلى أنّ الفترة الانتقالية التي تعقب الانتخابات العامة لا تتجاوز سنة أو أكثر منها بقليل.
ودفع ذلك الآن المعارضة إلى إصدار بيان، تشير فيه صراحة الآن إلى أن تعليق الحوار جاء بعد “الانقلاب على المسار التأسيسي من قبل الترويكا الحاكمة بقيادة حركة النهضة.”
وقال القيادي في الجبهة الشعبية صالح العجيمي إنّ التونسيين اليوم يبدون “أمام انقلاب بأتم معنى الكلمة وحركة النهضة مرت إلى مرحلة الحكم بالقوة مهما كانت التبعات بعد أن جهزت نفسها وأهدرت على الشعب والقوى الديمقراطية في أكثر مناسبة فرص الإطاحة بها.”
ودعا إلى إخلاء الوزارات “تحت ضغط الشعب وقوته دون طلب ودون لقاء ودون حوار مع الانقلاب الرجعي.”
ومن جهته، قال القيادي البارز في حركة “نداء تونس” المعارضة محسن مرزوق إنّه “إذا طرحت العودة للحوار فلا يجب أن يحصل أبدا على الأسس السابقة. يجب أن يكون عنوانه أن الحوار يحصل نتيجة انتهاء شرعية المجلس التأسيسي والسلطات المنبثقة عنه. وعندها يجب ترك الترويكا تتحمل مسؤولية أزمة حكمها وحدها والعمل بجدية على بدائل نضالية أخرى تتوجها انتخابات حرة ونزيهة بإشراف دولي.”
محاكمة مرسي
وقال المحلل السياسي لطفي بن غرس الله، الذي يعمل في مركز دراسات في سويسرا “أعتقد أنّ ما حدث أمر مفاجئ وعلى علاقة بما حدث في مصر في اليوم نفسه زيادة على تلويح أطراف أخرى من داخل المعارضة رغم أنها كانت على مائدة الحوار بأنّ قيادات حركة النهضة ستتم إعادتها إلى السجن.”
وكان لطفي يشير إلى محاكمة الرئيس المصري المعزول محمد مرسي والتي أثارت اهتمام الرأي العام ولاسيما في دول الربيع العربي.
وأعلنت حركة “النهضة” تضامنها مع الرئيس السابق محمد مرسي فيما يتعلق بمثوله للمحاكمة.
وقال الشاعر بحري العرفاوي، وهو مقرب من حركة النهضة، على صفحته على فيسبوك، فيما يدعم رأي لطفي غرس الله ويشير إلى الذروة التي وصلتها حالة الاستقطاب بإعلان فشل الحوار الوطني “اسْتُسقِيَ في مصر أمْطَرَتْ في تونس.. ـ ظهور الرئيس المدني الشرعي الدكتور محمد مرسي في بدلته المدنية بعد رفضه بدلة الإيقاف التحفظي وعدم اعترافه بالمحاكمة وتأكيده للقضاة بأنه رئيسهم الشرعي وما بدا عليه من اطمئنان وتوازن وهيبة ومهابة… قد زاد في شعبيته ورفع من منسوب الغضب الشعبي على الانقلابيين .. لقد ارتبك العسكر وسحرةُ الإعلام والفكر والفن. إذا اسْتُسْقِيَ في مصر أمطرت في تونس وإذا أمطرت في مصر اعْشَوْشَبَتْ تونس، بقدر ما كان الناطق باسم الرباعي الراعي مُحبَطا وبقدر ما كان الناطق باسم الجبهة متوترا، كان كبير المحاورين باسم الشرعية مطمئنا متفائلا ومبتسما تلك الدورة العادية للطبيعة …إننا نتجه نحو شتاء لكل واحد فيه ما يعمل استعدادا لموسم حصاد قادم رغما عن الجميع.”
وفيما يبقى مفهوم الشرعية بمثابة قميص عثمان المتنازع عليه من قبل الحكومة والمعارضة، عاد الحديث الثلاثاء، مشيرا إلى أنه من المحتمل استئناف الحوار قريبا مثلما لمح إلى ذلك زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي.