رغم حديثها بمناسبة وبغير مناسبة أنها «واحة الديمقراطية في المنطقة»، عملت إسرائيل خلال حربها الأخيرة على قطاع غزة، على تجنيد كل مؤسساتها لخدمة المؤسسة الأمنية وجيش الاحتلال، حتى المؤسسة الجامعية، التي تقوم على حرية الرأي والتعبير، لعبت دور الشرطي السياسي، خلال الحرب الأخيرة، بالتأكيد على أنها تتجسس على ما يكتبه طلابه على شبكات التواصل الاجتماعي، وتهديدها إياهم، بتحويلهم للجان تحقيق أو تقديمهم للشرطة.
ففي جامعة «بن جوريون»، أُرسلت في 27 يوليو 2014، رسالة لجميع أعضاء هيئة تدريسها وكل طلابها، جاء فيها: «إلى كل أعضاء هيئة التدريس والطلاب في الجامعة.. في هذه الأوقات العصيبة والصعبة نتلقى شكاوى من تصريحات متطرفة وغير مناسبة من قبل طلابنا على شبكات التواصل الاجتماعي. الحالات محدودة لكن خطورتها في وجودها».
وأضافت الرسالة: «جامعة بن جوريون تقدس قيم الديمقراطية، التي تعد حرية التعبير عن الرأي من بين أسسها، التعبيرات العنيفة الانفعالية تخرج عن الخطاب الأكاديمي والسلوك الحضاري الذي نطلب أن يكون قائمًا في محيطنا. قوة الكلمة المكتوبة، خاصة في أوقات الشدة والحزن، قوية ولا يمكن محوها في اليوم
التالي، الذي نحتاج أن نعود فيه جميعًا للحياة العادية ولنعيش حياة مشتركة».
وأكدت الجامعة في رسالتها، التي وقعها رئيسها البروفيسور ريبكا كارمي، أنها تتجسس على طلابها على شبكات التواصل الاجتماعي، كما هددت بتقديمهم للشرطة بسبب ما يكتبونه من آراء تجاه الحرب على هذه المواقع، وجاء في الرسالة: «الجامعة تدين التصريحات المتطرفة والمؤذية وتستنكرهم، وتتعقب المناقشات التي تدور على شبكات التواصل الاجتماعي، وستعمل وفق أنظمة الانضباط وإذا لزم الأمر ستتوجه بها إلى الشرطة».
وفي جامعة تل أبيب، لم يختلف الأمر كثيرًا، حيث أكدت الجامعة هي الأخرى، في رسالة للطلاب، حصلت «المصري اليوم» على نسخة منها، تجسسها على طلابها على شبكات التواصل الاجتماعي، كما هددت بمعاقبتهم بسبب ما يكتبونه من آراء تجاه الحرب.
وجاء في رسالة الجامعة لطلابها والعاملين بها: «لكل جمهور الجامعة تحية طيبة، إن جامعة تل أبيب تحتضن وتدعم كل قوى الأمن التي تعمل على إعادة الهدوء والأمان إلى إسرائيل، وضمنهم طلابها وعامليها الذين تم استدعاؤهم للجيش»، في إشارة إلى جنود الاحتياط من الطلاب والعاملين في الجامعة،
الذين تم استدعاؤهم للمشاركة في الحرب على قطاع غزة.
وأضافت الرسالة الموقعة من رئيس الجامعة البروفيسور يوسف كلبيتر، ومديرها العام موطي كوهين: «إن جامعة تل أبيب تستنكر وتندد بشدة بأي لفظ مسيء ومتطرف، من الألفاظ المنتشرة اليوم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والتي ليس لها مكان في الحوار المجتمعي. ستعمل الجامعة وفق أنظمة الانضباط التي تسري على الطلاب والعاملين بها في كل حالة يتم فيها إخلال بالأمر.. نحو أيام أفضل».
وفي جامعة حيفا، اتخذ قرار بإضاءة المبنى المركزي للجامعة، والمكون من 30 طابقًا، على شكل العلم الإسرائيلي تتوسطه نجمة داود، وكتبت صفحة الجامعة على صفحتها الرسمية على موقع «فيس بوك»: «إشارة للتضامن مع جنود الجيش الإسرائيلي ومواطني الجنوب والوسط الموجودين تحت تهديد القذائف،
فقد حولت جامعة حيفا مبناها المركزي إلى علم وطني، طوال أيام الحرب، حيث سيضاء المبنى المكون من 30 طابقًا، والذي يُرى من منطقة الخضيرة وحتى المستوطنات الشمالية، على شكل العلم الإسرائيلي، تتوسطه نجمة داود».
وفي كلية الكرمل، أرسلت رسالة بالبريد الإلكتروني، لجميع الطلاب، وجاء فيها: «في أعقاب عملية (الجرف الصامد)، يعلن المركز الأكاديمي أنه يقف خلف الطلاب الذين تسلموا أمر التجنيد وكل القوات».
وأضافت الرسالة: «نحن نفعل كل ما في وسعنا للوقوف على حقوقكم ومساعدتكم بكل الطرق الممكنة. يمكننا أيضًا متابعة حقوق الطلاب الذين يخدمون في الاحتياط بموقع عميد الكلية واتحاد الطلاب.. نتمنى عودتكم بسلام ونحن معكم».
من جانبها، تقول جنان عبده، الناشطة السياسية الفلسطينية، والطالبة بكلية الكرمل، إن «رسالة كلية الكرمل تؤكد أنها عمليا مستعدة أن تغير في معاييرها الأكاديمية لضمان دعم الطلاب الذين تم استدعاؤهم للحرب كجنود احتياط ورجال أمن، بينما لا نرى هذه المرونة في تغيير المعايير الأكاديمية لصالح مجموعات أخرى أو في مجالات أخرى، وهذا يؤكد أمرًا إضافيًا هو أن الجامعات جزء من الجو العام، وبوقوفها مع الطلاب الخادمين في الجيش ودعمهم وإصدار رسالة لكل الطلاب تؤكد فيها بشكل واضح أنها من خلفهم ودعاءها لهم بالعودة بسلام، فإنها عمليا تتدخل وتتخذ موقف من الحرب وعمليا لم تعد كلية نقية من التدخل السياسي- الأمني كما يفترض أن تكون الجامعات بناء على معاييرها هي ذاتها».
وأضافت عبده: «ما حدث في كلية الكرمل، حدث في جامعات أخرى، تم تهديد الطلاب بتقديمهم للجان التحقيق الجامعية وتقديم شكاوى ضدهم للشرطة، والجامعات الإسرائيلية لم تهدد أو تمنع هنا مظاهرة في حرمها كما فعلت سابقًا، لكنها ذهبت إلى أبعد من ذلك بتهديدها الطلاب على مواقف شخصية يعبرون
عنها خارج نطاق الجامعة حتى عبر شبكات التواصل الاجتماعي وهو أمر خطير يجسد منع حرية التعبير وتقييدها لخدمة مصلحة (البقرة المقدسة) الأمن الإسرائيلي.. إنها سياسة تكميم الأفواه عندما يخالف الأمر سياستهم وتوجههم السياسي، سياسة تكميم الأفواه للطلاب العرب المعارضين للحرب الهمجية البربرية على شعبنا».