يدور جدل كبير في المجتمع السوداني هذه الأيام حول مشروع تعديل دستوري يقضي بإمكانية زواج الشاب والشابة مباشرة دون الحصول على إذن ولي الأمر، طالما بلغا السن القانونية لذلك.
ويأتي هذا التعديل في دستور #السودان لعام 2005 وقد أودع أمام البرلمان بهدف المناقشة، ويشمل مواد قانونية تتعلق بالحريات العامة والممارسة السياسية والحزبية وحقوق المرأة والطفل، لكن الجانب الأخير لاسيما موضوع الوصاية في الزواج هو الذي أصبح مثار الجدل الاجتماعي.
تساؤلات على مواقع التواصل
وطرح ناشطون على شبكات التواصل الاجتماعي لاسيما الفيسبوك تساؤلات حول مدى رفض الشباب أو موافقتهم على هذا التعديل، والاستعاضة عن عقد الزواج المعروف الذي يقوم على أولياء الأمر وشهود، بوثيقة بديلة تقوم على التراضي بين الطرفين معتمدة من الجهات الرسمية.
وتتم أغلب الزيجات في السودان بشكل تقليدي، حيث لابد من طلب الشاب للزواج من الشابة أولاً عبر عائلتها وأخذ موافقتهم ومن ثم يكون الانتقال لمرحلة الخطبة “الخطوبة” التي قد تستمر لعام في بعض الأحيان أو أكثر اعتمادا على الظروف المالية وتجهيزات الطرفين، ليكون فيما بعد عقد القران والزواج، وقد يتم الزواج مباشرة بحسب الجاهزية.
ونادرا ما تحدث اختراقات لحالات يكون الزواج فيها بالمحكمة، بعد أن يرفض أوصياء طرف من الطرفين الزواج، لأي أسباب كانت.
رأي مجمع الفقه
لكن رئيس مجمع الفقه الإسلامي في البلاد، الدكتور عصام أحمد البشير، رفض في خطبة الجمعة الماضية هذا المشروع المثير للجدل، ورأى أن إباحة الزواج بالتراضي تخالف الشريعة الإسلامية وأن هذا “التعديل مهدد للسلم المجتمعي لكونه استبعد موافقة الولي”.
وأودع المشروع في يناير الماضي أمام طاولة #البرلمان_السوداني ، بما يعرف بملحق تعديلات دستورية على الدستور الانتقالي للبلاد 2005 وتضمن في النواحي الاجتماعية، موضوعات كحقوق الزواج ورعاية الأسرة والطلاق.
وفرضت الظروف الاقتصادية التي يمر بها السودان وتحولات الحياة الاجتماعية الكثير من المتغيرات على المجتمع، ما أدى إلى تغيير بعض القيم والتقاليد المتوارثة اجتماعيا فعليا، ومهد هذا لطرح مثل هذه التغييرات ليصبح بمثابة قانون بعد أن أُقر ضمن مخرجات الحوار الوطني مؤخرا.
وقال عصام البشير في خطبة الجمعة بمسجد النور بضاحية كافوري بالخرطوم بحري بحسب صحيفة “سودان تريبيون”: “إبراءً للذمة ونصحا لله ورسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ومن غير عصبية فإن مادة التزويج التي نصت على الزواج بين الذكر والأنثى من غير ولي، مناقض لشرع الله تعالى”.
نقاش محتدم
والموضوع لا يزال محل نقاش محتدم وجدل برلماني، وقد شهد الأسبوع الماضي نقاشاً حول الأمر وخلافات بين برلمانيين.
وأطلق مؤخرا حوار وطني تضمن موضوعات سياسية واقتصادية واجتماعية حول مستقبل البلاد ورعته الحكومة، قد أكد ضمن مخرجاته على أنه “عند بلوغ سن الرشد المقررة قانونياً يجوز الزواج بالتراضي، مباشرة أو وكالة”.
وقد تم تفسير كلمة “مباشرة” من قبل أعضاء برلمانيين ورموز مشاركة في الحوار الوطني، على أنها تعني “إلغاء دور الولي في الزواج”، وهو ما رفضه رئيس مجمع الفقه الإسلامي باستناده على حديث نبوي يقول: “أي امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل باطل باطل”.
ووصف التعديل بالمهدد للسلم المجتمعي، قائلا: “الأصل عندنا أن الخاطب يتقدم الى أبيها ويعقب ذلك المشاورة بين الأسرة والعشيرة، فكيف يتم زواج المرأة والرجل بدون الرجوع الى أسرتيهما؟!”.
كما رفض عصام البشير الدعوة لمفهوم المساواة بين الجنسين قائلاً: “نحن في الشريعة ليس لدينا ما يسمى بالمساواة المطلقة بين الرجل والمرأة لأن هناك فوارق طبيعية وفطرية بينهما”.
وسيقوم مجمع الفقه الإسلامي بحسب عصام البشير بتقديم رؤية مفصلة تعتمد على الكتاب والسنة لتوضيح رأيه بوصفه “مرجعية شرعية”، وسيدفع بهذا التصور للمجلس الوطني (البرلمان).
هل تنتهي قسيمة الزواج المتعارف عليها؟
ومن ضمن الأسئلة التي طرحت على الفيسبوك سؤالا مفاده: “هل من الممكن أن يودع المجتمع السوداني قسيمة الزواج المتعارف عليها ويستبدلها بوثيقة تراضٍ أخرى؟ أم يسقط المقترح من قبل النواب؟ وما هو موقف أهل الشأن من هذه القضية التي تهم كل المجتمع السوداني بلا استثناء”.
ولا يزال الموضوع مثار نقاش وجدل محتدم إلى أن يقرر البرلمان بشأنه.
وهناك من يرى أن هذا التعديل هو تطوير لعقد الزواج كما سبق أن صرح الأمين السياسي لحزب المؤتمر الشعبي كمال عمر، عضو اللجنة التنسيقية العليا لمتابعة مخرجات الحوار، الذي أضاف: “من لا يريد ذلك هناك نص الوكالة… ولا يعقل في عقد الزواج أن يصبح الإنسان بدون إرادة”.