دارت روليت الدنيا على خاطف الأميركيات الثلاث في مدينة كليفلاند بولاية أوهايو، ممن قام باغتصابهن على مراحل أسفل بيته طوال 10 سنوات من الأسر القهري والاحتجاز، فأصبح هو المحتجز الأسير، وضحاياه المخطوفات أصبحن حرائر وطليقات في بيوت عائلاتهن منذ العثور عليهن أحياء الاثنين الماضي في “بيت الرعب” كما أصبحوا يسمونه، وفوق ذلك وجّه له الادعاء العام 4 تهم بالخطف أمس الأربعاء، ومعها 3 تهم بالاغتصاب.
أما اليوم الخميس فمثل أرييل كاسترو، سائق حافلة النقل المدرسية سابقاً، أمام المحكمة المركزية بالمدينة، واستمع من قاضيتها لقرار اتخذته بالإبقاء عليه محتجزاً، أو إطلاق سراحه رهن المحاكمة لقاء كفالة يستحيل عليه تأمينها ولو بالمنام، فقيمتها 8 ملايين دولار، أي مليونين عن كل شابة، لأنه احتجز إضافة إلى المخطوفات الثلاث، واحدة رابعة كانت في الأسر القهري معهن أيضاً، وهي طفلة اسمها جوسلين، وأبصرت النور في 2007 ليلة عيد الميلاد بالبيت، وهي ابنته بالاغتصاب من إحدى ضحاياه.
تلك الطفلة ظلت لا تعلم شيئاً عن العالم إلا عندما أخرجوها من البيت مع والدتها أماندا بيري بمساعدة حاسمة من جار أسود يعمل منظفاً للصحون وتوابعها في مطبخ لفرع شبكة مطاعم “ماكدونالد” بالمدينة، وحولته روليت الدنيا هو الآخر إلى ما أصبح معه “بطل كليفلاند”، خاطفاً للأضواء ونجماً دعائياً في المستقبل القريب، بحسب ما فهمته وسائل إعلام أميركية من إدارة “ماكدونالد” التي تأثرت من ترديده لاسمها حين راح يروي للصحافيين ما حدث الاثنين الماضي.
روى تشارلز رامزي أنه كان في البيت يتناول “سندويتش” جاء به من “ماكدونالد” وقت الغداء، عندما سمع صراخ أماندا بيري من بيت جاره أرييل كاسترو وهي تستغيث، فأسرع وأخرجها من هناك مع ابنتها، وأكثر من 50 مليون أميركياً سمعوا منه عبر التلفزيونات كلمتي “ساندويتش ماكدونالد” مرات ومرات، وسريعاً لمعت فكرة لدى القيّمين على إعلانات الشبكة وترويج أغذيتها السريعة، فبدأوا يتعاقدون معه على ما سيجعله نجماً إعلانياً يسيل له لعاب خبراء التسويق في عشرات الشركات المنتجة لبضائع تهم الجماهير.
طفلة للخاطف من اغتصاب إحدى ضحاياه
وأمس في كليفلاند، قال مدعي عام المدينة، فيكتور بيريز، في مؤتمر صحافي اطلعت “العربية.نت” على مجرياته بالنص والصورة عبر وسائل إعلام أميركية، إن التهم لم تشمل شقيقي كاسترو، أونيل وبيدرو، البالغين 50 و54 سنة من العمر، فخرجا بريئين بقرار استمعا إليه من المحكمة اليوم بعد التأكد من عدم تورطهما بما قام به شقيقهما الذي سيظل أسيراً وراء قضبان زنزانة انفرادية طوال محاكمته التي يؤكدون أن جلساتها لن تنتهي إلا بإدانته بالسجن مدى الحياة، خصوصاً أنه أقر من أول جلسة تحقيق بما فعل.
وما فعله أرييل كاسترو، البالغ عمره 52 سنة، وروت “العربية.نت” أهمه في تقرير لها أمس، بدأ بخطف ميشيل نايت من شارع بجوار بيت قريب لها في 23 أغسطس/آب 2002 حين كان عمرها 21 عاماً، وتلاها بعد عام بخطف أماندا بيري قبل يوم من عيد ميلادها السابع عشر في 21 إبريل/نيسان عندما غادرت عملها في مطعم “بيرغر كينغ” للوجبات السريعة، وهو قريب 700 متر من منزلها بكليفلاند.
بعدها قام في 2 إبريل/نيسان 2004 بخطف جينا دي خيسوس يوم عودتها من المدرسة إلى البيت، وبالكاد كان عمرها 14 سنة، وجميعهن خرجن سالمات من البيت يوم وصلت دوريات الشرطة بعد اتصال هاتفي مأساوي أجرته المخطوفة أماندا بيري من بيت الجار بالشرطة التي خصصت عشرات الدوريات للبحث عن كاسترو، إلى أن عثروا عليه يتناول الغداء في أحد مطاعم “ماكدونالد” نفسها، فاقتادوه مكبلاً بالأصفاد وهو مذهول لا يعي السبب إلا عندما واجهوه بما اكتشفوا، فاعترف سريعاً.
خرجن عاريات يزحفن على الركب والأيادي
أمس أيضاً قال قائد شرطة كليفلاند، مايكل ماكغارث، من أن ضباط “أف.بي.آي” فتشوا المنزل الذي عاشت فيه المخطوفات وعثروا فيه على حبال وسلاسل كان يستخدمها في تقييد ضحاياه داخل غرف منفصلة أسفل البيت الذي لم يتم العثور فيه وفي فنائه الخلفي حتى الآن على أي بقايا بشرية، وهو بيت اشتراه كاسترو في 1992 بمبلغ 12 ألف دولار، ويبدو رخيصاً لأنه خشبي وقديم، مع أن مساحته 130 متراً مربعاً، ومن 5 غرف، اثنتان في الطابق العلوي، مع آخر سفلي جعل فيه 3 غرف وحمام واحد.
في ذلك الطابق السفلي كانت المخطوفات تقمن منعزلات داخل الغرف وهن مقيدات بالسلاسل والحبال من دون أن يعرفن بعضهن شخصياً، بحيث كانت الواحدة تعلم أنها ليست وحيدة فيه لإحساسها بوجود الآخرين، إلا حين سمح لهن بالخروج مرة إلى الفناء الخلفي ليلاً وهن عاريات بالكامل، وأمرهن بالزحف على الركب والأيادي، كي لا يراهن أحد.
كما أخرج كل واحدة منهن على انفراد إلى مرآب السيارات بالبيت في إحدى المرات وهي متنكرة، وسريعاً أعادها إلى حيث لم تعد ترى شيئاً مما في الخارج على الإطلاق، وأطبق بالصمت من بعدها بحيث لم يكن يتلفظ ولو بكلمة عن أي واحدة للآخريات، ومضى كما “شيطان اغتصاب” مارسه معهن جميعاً بلا انقطاع طوال 10 سنوات.
ورد في ملف التحقيق أيضاً أن ابنته بالاغتصاب، جوسلين، ولدت في مغطس مطاطي صغير، من النوع الذي يتم نفخه، وأن بعض المخطوفات تعرضن للإجهاض، ومنهن ميشال نايت التي حملت منه 5 مرات، فأجهضها بتسديد اللكمات إلى بطنها وبدحرجتها بقوة، مهدداً بأنه سيقتلها إن لم تلفظ جنينها في كل مرة.وشارك في حملة بحث عن إحدى ضحاياه.
كما ورد أيضاً في الملف عن أرييل كاسترو، الذي توفيت زوجته غريميلدا فيغيروا العام الماضي بعمر 48 سنة، والأم منه لابن وابنتين، إحداهن سجينة لعشرين سنة لإقدامها على القتل، أن المخطوفة ميشيل نايت هي التي ساعدت أماندا بيري على الوضع حين جاءها المخاض بطفلتها جوسلين، وأنه هددها وهي تجهد في المساعدة. وقال: “إذا فشلت بمهمتك ومات الجنين فسأقتلك”، إلا أنها نجحت بمهمتها، فعاشت الطفلة التي أمر كاسترو والدتها بأن تعطيها دروساً كبديل عن إرسالها إلى المدرسة، ففعلت وراحت تنتظر أي فرصة سانحة لطلب النجدة.
وشارك في حملة بحث عن احدى ضحاياه
وهناك جديد آخر اتضح اليوم الخميس أيضاً، هو رسالة انتحار كتبها أرييل كاسترو مسبقاً وتم العثور عليها في البيت، وتم ضمها إلى أكثر من 200 دليل ضده جمعها رجال “الأف.بي.آي” من المنزل، وتشير إلى نيته بقتل نفسه في يوم ما، وفيها خص البيت وما معه من مال في حسابه بالبنك، على قلته، ليكون ميراثاً منه لابنته والمخطوفات الثلاث بالتساوي.
كما اكتشفوا أنه كان داهية يمارس غسل الدماغ والحيلة مع ضحاياه، فيترك باب غرفة إحداهن مفتوحاً ويخبرها بأنه خارج وسيعود بعد ساعة أو أكثر، ثم يختبئ في ناحية من البيت ليرى إذا كانت ستخرج من معقلها، فإذا فعلت أذاقها من ألوان الضرب والركل والحرمان من الطعام ما لا تراه إلا في الكوابيس، طبقاً لما روت إحداهن لرجال التحقيق، فلا تعد تكرر محاولة الهرب، حتى ولو خرج فعلاً من البيت، إلا حين خرج منه الاثنين الماضي فعلاً ورأته طفلته جوسلين، فأخبرت والدتها أماندا بيري، وكان لذلك الخبر الصغير مفعوله الكبير.
وأغرب ما في أرييل كاسترو هو ما فعله في 2007 حين قام جيران الحي الذي كانت تقيم فيه إحدى ضحاياه، وهي جينا دي خيسوس، المعروف بأنها كانت صديقة ابنته حين قام في 2004 بخطفها، فقد أعدوا حملة للتذكير بغيابها ولمطالبة الشرطة بالمزيد للبحث عنها، وراحوا يشعلون الشموع ليلاً ويتضرعون ويصلون، وبعضهم قام بعزف الموسيقى الحزينة، وبين العازفين وموزعي صورها والمعلومات عنها للمحتشدين كان عازف على الأورغن شارك بالحملة أيضاً، ولم يكن ذلك العازف سوى أرييل كاسترو نفسه.