ما إن تجرّع الرأي العام المغربي خبرا أوردته قناة تلفزيونية عمومية حول اغتصاب عجوز طاعنة في السن والفقر والتهميش تجاوزت التسعين من العمر، حتى نزلت صاعقة أخرى تفيد باغتصاب طفلة تبلغ بالكاد عامها الثالث.
ماذا يجري، ومن أين تأتي ذئاب بشرية فقدت كل بوصلة؟ يتساءل الناس. حوادث الاغتصاب تنتشر في كل المجتمعات، تستهدف غالبا نساء في سن الاغراء الجنسي، ويحدث أن يصدم الناس من حين لآخر بعمليات اغتصاب تصنف ضمن البيدوفيليا، لكن أن يضرب الجنون لينتهك حرمة امرأة تحصي أيامها الأخيرة، فإن الأمر يثير الذهول والاشمئزاز، خصوصا أن الحادثتين تأتيان في سياق تواتر حالات مختلفة ومتفاوتة البشاعة لجرائم اغتصاب لا تفرق بين الضحايا.
اغتصاب في التسعين: نزفت العجوز التي تقوس ظهرها بعبئ حياة قاسية حتى شارفت على الموت، بعد أن هاجمتها شلة من المنحرفين في كوخها المتهاوي الذي تعيش فيه خارج قرية في منطقة بضاحية الرباط، وعجز المستشفى المحلي عن علاج الضحية التي تم نقلها الى العاصمة لانقاذ ما يمكن انقاذه.
اغتصاب في الحضانة: تعود الطفلة الى بيتها في مدينة أغادير، لكن فرحة أمها بها تخدشها دموع ألم لا تعرف البريئة كيف تصفه بكلماتها القليلة. لا يكشف سرها إلا الطبيب.
حالة الذهول الجماعي لا تشاطرها نجية أديب الناشطة الاجتماعية ورئيسة جمعية لحماية الأطفال من الاعتداء الجنسي التي تقول إن هذا النوع من الاعتداءات الجنسية التي لا تفرق بين طفل وعجوز، ويقترفها الغريب أو ذو القربى وأحيانا من المحارم، ليس جديدا على المجتمع.
بالنسبة لها كل أنواع الانحرافات الجنسية الأكثر شذوذا موجودة دائما ومنذ زمن بعيد، في غياب الوازع الأخلاقي والديني. الجديد بالنسبة إليها هو دور وسائل الإعلام في فضح هذه الاعتداءات من جهة، وكسر الضحايا والمجتمع عموما لجدار الصمت من جهة أخرى.
حتى العقوبات الحبسية تظل غير رادعة بالنسبة للناشطة المغربية التي تراهن على دور توعوي وتحسيسي تنخرط فيه جمعيات المجتمع المدني من أجل الوقاية من هذه الجرائم. لذلك يعمل نشطاء المجتمع المدني على التواصل مع شرائح مختلف من الأطفال بوجه خاص في مختلف الفضاءات العامة لتنبيههم الى حرمة أجسادهم ومخاطر “الذئاب التي تترصد في مكان ما”.
تقول نجية أديب في تصريح لموقع CNN إن الإنصات والتفاعل مع الشرائح الاجتماعية يشجع على تفجير المسكوت عنه. من وحي تجربتها الجمعوية تتحدث عن لقاء مع سكان قرية أمازيغية في الأطلس المتوسط، أفضى الى فضح حالة اعتداء مدرس بمدرسة ابتدائية على 13 ضحية. كانوا يعرفون، لكنهم لم يجرؤوا، فساد الصمت المشجع على مواصلة الجريمة.
وتقر الناشطة أن السلطات المغربية الأمنية تبدي تعاونا مع المنظمات والجمعيات الناشطة لمحاربة الجرائم الجنسية وتفتح أمامها الأبواب، لكن مكمن الخلل على هذا الصعيد يكمن في الأحكام القضائية التي يكون كثير منها مخففا فلا تكون له الوظيفة الردعية الكاملة، ولا يشفي غليل الضحايا والمجتمع. وهي تتطلع الى تطبيق فصول المتابعة المشددة بشكل صارم.
بالنسبة لكثير من الناشطين في الميدان، الذين يحملون هم التصدي لهذا النوع من الجرائم التي تنتهك الحرمة الجسدية للكائن، طفلا كان أم راشدا، فإن هذه الحوادث التي تهز الرأي العام من حين لآخر ليست إلا الجزء الظاهر من جبل الجليد، في غياب مؤشرات إحصائية دقيقة عن الظاهرة.
على ضفة البحث الاجتماعي، تبدي السوسيولوجية المغربية أسماء بنعدادة نوعا من الحذر في الحديث عن ظاهرة اجتماعية، لأن المفهوم يحيل الى سلوك جمعي، وهو أمر لم يتحقق حتى الآن في ما يخص الاعتداء الجنسي على النساء المسنات الذي تصفه بأنه “حالة تنم عن شذوذ استثنائي، شذوذ مضاعف”.
ما الذي يجعل الجاني يفكر في امرأة مسنة؟ تؤكد أستاذة علم الاجتماع في كلية الآداب بفاس، المهتمة بقضايا المرأة، أن الجواب على هذا الإشكال يتطلب دراسات نفسية واجتماعية عميقة.
تقول أسماء بنعدادة في تصريح للموقع، ان اغتصاب المسنات حالة أو حالات متفرقة تحدث من حين لآخر، على غرار الوضع في العديد من البلدان. وفي المغرب بدأ الإعلام في السنوات الأخيرة يكشف عن هذه الحالات الشاذة من الاغتصاب التي حدثت في مناطق متعددة، في المدن الصغيرة والكبيرة كما في البوادي وحتى في الدواوير البعيدة.
ما يمكن التأكيد عليه، حسب الباحثة، هو أن الاغتصاب – كل أنواع الاغتصاب- شكل من أشكال العنف وانتهاك لحق المغتصبة في الحياة وهدر لكرامتها. إنه سلوك عنيف يصدر عن تشبع المغتصب/ المجرم بالفكر الذكوري الذي يؤمن بإمكانية استباحة الرجل لجسد المرأة، فالاغتصاب، تذكر الباحثة، “لا يكون بدافع المتعة الجنسية بقدر ما هو استباحة جسد المغتصبة والتنكيل به وممارسة العنف عليه بتشويهه أو تعذيبه إلى درجة الموت. هو تعبير عن قوة ذكورية مهزومة”.