تقوم بعض الدول بتأخير الزمن ساعة في فصل الصيف، بما يعرف بالتوقيت الصيفي وذلك بهدف تبكير العمل وزيادة مساحة النهار، ومع حلول فصل الشتاء يتم الرجوع إلى التوقيت العادي.
هذا التقليد صاحبه هو الرئيس الأميركي، بنيامين فرانكلين، الذي كان أول من طرح فكرة التوقيت الصيفي في عام 1784، دون أن تجدي صدى. ثم عاد البريطاني وليام ويلت لطرحها على البرلمان عام 1990 فرفضت ولم تتحقق إلا مع الحرب العالمية الأولى، حيث أجبرت الظّروف البلدان المتقاتلة على وجود وسائل جديدة للحفاظ على الطاقة، فكانت ألمانيا أول بلد أعلنت التوقيت الصيفي، وتبعتها بريطانيا بعد فترة قصيرة.
إعادة نظر
لكن هناك الآن رأياً حديثاً يقول إن أسلوب تأخير الزمن يجب أن يتم على مدار السنة، وليس في فصل معين ثم تعاد الساعة لوضعها السابق.
هذا ما حاولت أن توضحه مقالة نشرت في صحيفة “واشنطن بوست” الاثنين، حيث تؤكد أن تنفيذ الفكرة الأخيرة سيعود بالنفع على الصحة العامة للناس، وليس الأمر كذلك فحسب بل إن معدل الجرائم سوف يقل ما يوفر الملايين على الدولة.
وبخصوص الانعكاس الإيجابي على الصحة فهي، بحسب الدراسة – تقلل السكتات المفاجئة وتقلص الخلل في أوقات النوم ما ينعكس بدوره على حوادث السيارات ويحد منها.
البرتقالي: لم تعد تستعمل التوقيت الصيفي. الأزرق: تستعمل التوقيت الصيفي. الأحمر: لم يستعمل أبدا.
هل الأمر بكل هذه الخطورة؟
بحسب المقالة، فإنه في الأسبوع الماضي قام باحثون وعلماء في أقسام الطب النفسي والعلوم السياسية في جامعات آرهوس وكوبنهاغن وستانفورد، بتقديم شكوى رسمية ضد مسألة تأخير الساعة وتقديمها، مؤكدين أن التوقيت الصيفي يؤدي إلى القفز بمعدلات الاضطرابات النفسية في هذا الفصل من السنة.
ووفق دراسة استند عليها هؤلاء العلماء شملت بيانات 185419 شخصاً في الدنمارك تتعلق بتشخيص الاكتئاب من عام 1995 إلى 2012، حيث تمت مراقبة الحالة النفسية لكل شخص قبل وبعد التوقيت الصيفي؛ اتضح أن هذا “التلاعب بالوقت” عمل على رفع حالات نوبات الاكتئاب أحادي القطب بنسبة 11 بالمئة، والمثير أن خلاله فترة الربيع بعد استقرار الأمور لا يوجد أي ارتفاع ملحوظ في النسبة.
ويرى العلماء أن “هذا الانتقال في التوقيت من فصل لآخر هو السبب المباشر في هذه الحالات الاكتئابية، ومن الواضح أن التغيير في التوقيت عموما والطقس السيئ تمثل عوامل أساسية في تشكيل المزاج تؤخذ في الاعتبار في مثل هذه الدراسات”، وفق تأكيد الدكتور سورين أوسترغارد، أحد معدي الدراسة.
دراسة غير مسبوقة
وهذه أول دراسة تنجز بهذه الدقة المعيارية، بحسب الصحيفة، فهي المرة الأولى التي تتم فيها دراسة أثر التوقيت الصيفي والتلاعب بالتوقيت على المزاج البشري والنواحي الصحية ونمط الحياة عموما بشكل واسع.
ويؤكد أوسترغارد: “على حد علمنا فهي الدراسة الأولى من نوعها في هذا الموضوع”، موضحاً أن “ثمة دراسات سابقة بحثت في مجال أوسع يتعلق بمسائل الصحة عموما وعلاقتها بالوقت، ولكن ليس الاكتئاب بالتحديد، وهي كذلك لم تسفر عن نتائج محددة”.
ولا تحدد الدراسة إلى أي حد يعمل تأخير الزمن عن “الحقيقي” في التسبب بالاكتئاب، وفي الوقت نفسه تكشف لنا أن المسألة لا تتعلق بالفصل المعين، أو بفصل وآخر إنما بعملية تأخير الساعة بشكل عام.
وتشير الدراسة إلى أن التغيير المفاجئ من وقت الغروب من الساعة السادسة مثلا إلى الخامسة، ومثل ذلك في الشروق يعمل على توليد إحساس سلبي بالزمن نسبة لتغيير العلاقة بطول النهار بشكل عام ويدفع ذلك إلى الاكتئاب.
فالنهوض المبكر وفي الوقت نفسه الاستسلام المبكر للنوم، هذا الخلل في العلاقة بالشمس أو بطبيعة الحياة يجعل الإنسان لا يشعر بالراحة النفسية ويفقد الذهن الأثر الصافي لما اعتاد عليه.
الحل في تأخير دائم للساعة!
من ناحية عملية فإن الناس لن تحقق فائدة مباشرة من الاستيقاظ المبكر حيث ستذهب ساعات الصباح في أمور روتينية، مثل المواصلات والقهوة وغيرها من أمور، ويعود المرء مبكرا إلى البيت ليجد أن الظلام قد حل، بحسب الدراسة.
وربما يكمن الحل في جعل التوقيت الصيفي على مدار العام بدلا من تحريك الساعة كل مرة، وهذا يساعد على أن تستقر الأحوال النفسية مع علاقة مستقرة مع الوقت.