بالرغم من ضعف الإقبال، وقلة الطلب على قرب الماء، إلا أن أم فيصل لن تتوقف عن مواصلة مشوارها في هذه الصناعة اليدوية، حيث لايزال الكثير من الحرفيات السعوديات يحافظن على صناعة “القرب”، حيث تعتبر حرفة قديمة توارثوها أباً عن جد.
ففي حياة البداوة كانت السيدات يلعبن دوراً هاماً، ولشحِّ المهن آنذاك وتوظيف النساء الذي كان ولايزال يخضع لقواعد اجتماعية، لجأ الكثير منهن لمهن وحرفيات بالمنزل.
وتحدثت لـ”العربية” السيدة أم فيصل، إحدى النساء الحرفيات، وقالت: “هذه المهنة كانت تلعب دوراً كبيراً في حياة الناس، فصناعة القرب من جلود الماشية تعد من الصناعات التي كان لها رواجاً كبيراً تضاءل مع بزوغ التطور والأدوات البديلة عنها، بدأت من صناعة الجرار الفخارية، ثم امتدت حتى ظهور الثلاجات الكهربائية، عندها خفَّ الطلب وبدأ في العد التنازلي على قرب الماء”.
وتعرف السيدة أم فيصل بالقرب وتقول: “تُصنع القرب من جلود الماشية “الأغنام”، وهي تستخدم لتبريد الماء، حيث تمرّ بمراحل عدة حتى تصل إلى مرحلتها الأخيرة، حيث تقطع شوطاً كبيراً من التهذيب والتشذيب والدبغ والتنظيف والغسل واستخدام بعض الأنواع من الأشجار، ليساعد على ذلك إزالة بعض الشحوم والروائح في جلد الغنم.
وفيما يخصُّ الأسعار تقول: “ليست بتلك التي تشجعنا على صناعتها، حيث تتراوح من 150 الى 200 ريال، وتختلف باختلاف الأحجام؛ لأن هناك أنواعاً منها تستخدم للسمن وأخرى للبن، والكبيرة لتبريد الماء، وأحياناً تنقص وتزيد حسب الراغبين لها وهم قلة من “البدو”، كما يساعد على ذلك غلاء جلود الأغنام هذه الأيام.

صناعة القرب
وتتابع: “لكن ماذا نقول ليس لدينا حيلة غير هذه المهنة تدر علينا قليلاً من المال لإعالة الأبناء وتكفينا ذل السؤال”.
وحول المدة الزمنية التي تقطعها صناعة “القرب” تقول: “تستغرق صناعة القربة الواحدة منذ تأمين الجلد حتى تسليمها للعميل قرابة أسبوع، وإذا استعجلت عليها خلال خمسة أيام”.
وتشرح أم فيصل مراحل الصناعة قائلة: “أولاً أقوم بإحضار الجلد وفرده، ثم وضع كمية من الماء بنسبة معينة ويضاف عليه كمية من الملح والتمر وأتركها لمدة يومين مع بعضها كي تتخمر، ثم أضعها بعد ذلك على الجلد لكي يساعدني على نزع الشعر بسهولة”.
وتستطرد “ثم آتي بشجرة الشث أو الرمان وأسحقها ثم أغليها على النار، تستغرق العملية نحو نصف ساعة، ثم يتم بعد ذلك وضعها على الجلد لمدة يومين متتاليين، ثم تستبدله في يومين آخرين وهي محاولة أخرى لتكرار العملية”.
وتواصل الشرح وتقول: “بعد ذلك أضع الزبدة ثم اللبن وأمزجهما معاً كي تخلصنا من بعض العوالق في الجلد لتصبح جاهزة للعميل”.
وأضافت: “بعض الزبائن يرغب في صناعة حامل لها، وهو مكوّن من شجرة قوية يستخدم كحامل لها لتعليق قربة الجلد فيها لكي تتعرض للهواء ويتم تغذية الماء في الداخل؛ كي يمنح الماء قليلاً من البرودة النسبية المقاربة لجسم الإنسان”.
وتتابع: “الحامل هو عبارة عن ثلاثي من جذوع الشجر وتربط معاً من الأعلى كي تعلّق فيها القربة”.
ومن جانبها تعلق السيدة لؤلؤة الغامدي، رئيسة اللجنة النسائية بمجلس التنمية والسياحة والآثار بالطائف، قائلة: “هؤلاء النساء الحرفيات يطالبن منذ فترة ولم تُسمع أو تُنفذ مطالبهن، وطلبهن فقط منحهن مقراً دائماً لتسويق منتجاتهن وقليلاً من المال”.
وأضافت الغامدي: “هؤلاء الحرفيات يفوق عددهن الخمسين سيدة، هن فقط حرفيات من كافة الإنتاج والصناعات، فالمحافظة عليهن بات أمراً ضرورياً لاستمرار الحياة الأسرية في ظل ارتفاع في الأسعار والمعيشة”.

شارك الخبر:

ماذا تقول أنت؟

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *