يتحدث بصوت هادئ في وقت ترتفع فيه الأصوات عالية وتشحن المشاعر الغاضبة حرب مدمرة قتلت عائلات وفرقت أصدقاء وهجرت أطفالا وأدخلت بعض السوريين في صفوف الانتماء الطائفي.. لكن الدكتور عبادة القادري، ابن دمشق، أبقى على ثباته ووضوح رؤيته لما يريده لسوريا: قوس قزح جميل في سماء تتسع لكل وجهات النظر.
لم يحاب حزبا ولا طائفة ولم يعطها صوتا على حساب الآخرين عبر أثير إذاعته “وطن إف. إم.” التي تحمل شعارا رقيقا كرقة أحلامه لسوريا وهو “هواها حرية”.
أجبرت الظروف القادري ألا يمارس مهنته كطبيب فوجد بديلا من خلال الإذاعة التي تعمل الآن في ريفي حلب وإدلب.
إذاعة “وطن إف. إم.” كانت الأولى التي بثت من ريف دمشق في عمر الثورة الأول.. ناشطون غامروا بحياتهم من أجل إيصال صوت مغاير عن إعلام النظام.. عملوا سرا وركبوا أجهزة بث مستعينين بفنيين مبتدئين، مدركين أهمية الرسالة الإعلامية الصادقة والمعلومات الدقيقة التي يتعطش إليها السوري في وقت أطبق فيه النظام على الصحافة الحرة.
انقطاع التيار الكهربائي وصعوبة مشاهدة المحطات التلفزيونية جعلت الإذاعة ضرورة.. بدأوا بنشرات الأخبار وتطورت الإذاعة الى برامج وأغاني ثورية ومعلومات عن أماكن القصف وأسماء القتلى والجرحى.. فأصبحت صوتا معتمدا في الإعلام السوري البديل.
واختارت مجلة “تايم” القادري كواحد من شخصياتها الـ100 الأكثر نفوذا لهذا العام.. وهذا اللقب فاجأ القادري، الذي اعتبر أن “هذا التكريم هو لكل ناشط سوري يعمل على الأرض”.
ويحمل التشريف معه مسؤولية، خاصةّ حالياً بعد أن تغيرت معالم سوريا التي كانت تهتف بقلب رجل واحد في بداية الثورة “الله، سوريا، حرية، وبس”، إلا أن دخول المقاتلين الأجانب ومحاولتهم صبغ الحرب وكأنها طائفية (شيعية-سنية) نالت الكثير من مطالب السوريين الذين تظاهروا في فبراير 2011 من أجل الحرية.
وفي هذا السياق، رأى القادري أن هذه الرسالة هي الأهم، معتبراً أن “الأصعب هو أن تبقى حياديا في زمن أغلبية تريدك أن تعكس توجهها وتروج لسياستها”.
والإعلام المستقل لا يخدم فقط مواطنيه بل أيضا يزود المحطات العالمية بمعلومات دقيقة عما يحدث. وهذا هو الهدف الآخر للقادري، خاصةً بعد تراجع الإعلام الأميركي بالتحديد في تغطية الأزمة السورية وتداعياتها الإنسانية.
ومن هذا المنطلق، ركّز القادري على التواصل مع الإعلام الأميركي فأجرى الكثير من المقابلات من أجل إيصال معاناة السوريين.