عندما تنتاب الإنسان مشكلات نفسية فإن مشاركة الآخرين بالفضفضة قد تكون فعالة في تخفيف الألم النفسي بأن تقاسم تجربتك مع الناس.
لكن الإشكال في عدم قدرة كل الناس على التعبير عن ذواتهم وألمهم، رغم أن القاعدة تظل قائمة، أن تتواصل مع العالم.
واحدة من المشاريع التي تعمل في هذا الإطار عبر الانترنت، مشروع Perspective Project أو “مشروع المنظور” الذي يحاول أن يحل القضايا النفسية من خلال التواصل، ولكن بطريقة أخرى غير الكلام، حيث يكون التعبير الفني هو نافذة الإنسان إلى الوجود.
والمشروع هو عبارة عن منصة على الإنترنت تساعد كل شخص في أن يقوم بنشر أفكاره والتعبير عن مخاوفه ومشاعره من خلال الرسم أو كتابة القصص والأشعار.
قصة المنصة
وقد أُطلق المشروع من قبل مارك أنسكومب (24 عاماً)، الذي أدرك قوة تأثير مشاركة الأفكار والمشاعر مع الآخرين.
وقد أخبر صحيفة “مترو” البريطانية قائلاً: “منذ أيام المدرسة، كنت قد شعرت بأن قضية الصحة النفسية في تزايد وباتت مدمرة”.
ويقول إن اثنين من زملائه توفوا في الصف السادس بسبب أمور نفسية، “وإن مشاكل الصحة العقلية كالاكتئاب والقلق أصبحت سائدة اليوم بشكل مبالغ فيه بين الأهل والأصدقاء”.
ويشير إلى أنه نفسه في العام الماضي عانى من القلق، ما دفعه إلى الاجتهاد لأجل مكافحة هذه الوصمة.
ويرى أن القلق جزء من حياة الإنسان، ويجب أن يفهم لأجل التعامل معه وعلاجه.
ويؤكد أنه وجد من خلال الخبرة مدى أثر تعبير الناس عن أنفسهم وأفكارهم وعكس مشاعرهم، على نواحي الصحة النفسية، ومن هنا جاءت فكرة المشروع.
ويقول: “الكثير من الناس يستخدمون الفن والكتابة والشعر للتعبير عن أنفسهم، لعكس دواخلهم، مهما كانت رائعة أو قبيحة وبغض النظر عن مستوى الصدمة، فالفن هو التعبير النهائي عن العاطفة”.
ويضيف: “خلق وتقاسم الفن هو تجربة علاجية لكثير من الفنانين، ونأمل أن يوفر مشروعنا منفذاً للعلاج وداعم له”.
نجاح الفكرة
يعمل الموقع على قبول الأفراد سواء بأسماء حقيقية أو مستعارة لمشاركة تجاربهم، وحيث يتصل كذلك مع منظمات المجتمع التي تعمل في الصحة النفسية.
ونجح الموقع في استقطاب فنانين وشعراء حقيقيين لم يقوموا بمشاركة إبداعهم من قبل مع الآخرين، ربما لأسباب نفسية، أو لانعدام الثقة أو الخوف، وقد عكس تجارب أكثر من 60 فناناً من جميع أنحاء الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا وأستراليا.
وعادة ما يشعر الناس في البداية بالتحقير وهم يقدمون باكورة أعمالهم للناس، لكن الوضع يتغير مع الزمن والموقع يقدم هذه الفرصة، ويبقى الأساس هو قوة العاطفة والطريقة.
ويأمل مؤسس هذه المنصة أن تعمل على تحقيق هدفين هما، إبراز فنانين وشعراء حقيقيين للعامة حال العامل النفسي والخوف دون وصولهم للناس، والهدف الثاني هو حل القلق النفسي وقضايا الصحة النفسية لدى الكثيرين.
تجربة سالي
ذكرت واحدة من أميز فناني المشروع، تطلق على نفسها “سالي”، أن المشاركة بأعمالها جعلتها تشعر بالتحسن النفسي، من خلال التواصل مع الناس والشعور بأنها ليست وحدها.
وتقول: “لقد عثرت على هذا المشروع في واحدة من أشد لحظات حياتي سوءاً، وقد أحسست من خلاله بالخروج من العزلة.. وفي الماضي لم أكن أناقش من أحد سوى المعالج النفسي”.
وتشير إلى أنها دائماً ظلت ترسم وتكتب للخروج من الحصار النفسي ولكن في محيطها الشخصي فقط، والآن من خلال المشاركة تشعر بأنها ليست وحدها وأن عقلها بدأ يتأقلم على وضع جديد.
وتأمل أن يعمل فنها ولوحاتها أيضاً على مساعدة الآخرين في الغوص داخل ذواتهم، مؤكدة أن مقاومة الاضطراب النفسي صعبة جداً، وأن مشاركة الآخرين تخفف الألم وتظهر القوة، على الأقل من خلال المناقشات.
وتؤمن الآن بأن هذا المشروع قد أعطاها فعلاً قوة ساحرة للتعبير عن ذاتها من خلال فنها.
شاي إيما
أما “إيما هدو”، ومن خلال لوحتها المسماة “النمر وسمك القرش وأنا في جلسة الشاي”، التي تظهر فتاة أو امرأة تتناول الشاي على الطاولة مع الحيوانين، فتقول إنها ظلت تعاني القلق منذ سنوات المراهقة لدرجة الإحساس بالشلل في بعض الأحيان.
وتقول إنها بدأت الآن في مواجهة الشياطين التي تسكن رأسها، وأن صحتها النفسية تتحسن رغم أنه لايزال ثمة ضباب باق بالداخل.
من لديه قضية معينة فإنه يشعر تجاهها بالضياع عندما لا يعرف موقع الصواب والخطأ تجاهها.. فما بالك بمن يشعر تجاه حياته كلها بالضياع وعدم وضوح الصواب والخطأ.. فعدم وجود المعيار الحقيقي الثابت هو ما يسبب الشعور بالضياع.. فالشعور بالضياع قد يكون جزئياً وقد يكون كلياً.. فالشعور بالضياع الكلي يكون في حالة الفوضى الداخلية كعدم الارتباط بدين وعدم الارتباط بأخلاق (وهو الأخطر على النفس).. فتخيل أنك إنسان تعيش للمتعة واللذة فقط عندها ستحس بمشاعر خانقة بعد النهاية من كل لذة.. وستسأل: ما هدفي؟ وما سبب وجودي في الحياة؟.. وهذه الأسئلة قد لا يفهمها العقل لأنها أسئلة شعورية.. وقد تخرج هذه الأسئلة على شكل كآبات أو أمراض.