شقيقة سعودي اختفى في ظروف غامضة تتساءل مع زملائه بالجامعة: هل ابتلعته الأرض؟

حمزة الشريف، الطالب السعودي الذي كتبت “العربية.نت” الخميس الماضي عن اختفائه من حيث يقيم ويدرس في مدينة ساسكاتون بالجنوب الكندي، تحول إلى لغز محيّر عبر القارات، حتى أن شقيقته ليلى التي اتصلت بها “العربية.نت” فجر اليوم الاثنين، كما ببعض زملائه، تتساءل مثلهم عما إذا كانت الأرض ابتلعته، فلا أثر بالمرة منذ 12 يوما لأخيها الأصغر.

الجميع يبحثون عن حمزة البالغ من العمر 23 سنة ولا يعثرون على ما يدلهم عليه في مدينة تسلط عليها منذ شهر صقيع قطبي سيظل يعاقبها طوال شتاء يستمر 6 أشهر وتتكاثر فيه الدببة وسط معدل للحرارة يصل الى 25 تحت الصفر، وأحيانا 40 وأكثر.
وتقيم ليلى بمدينة واترلو، في مقاطعة أونتاريو بالجنوب الكندي والبعيدة أكثر من ساعتي طيران عن ساسكاتون التي يسكنها 220 ألف نسمة، وهي تقول إن الألم قابض على قلبها منذ علمت بخبر الاختفاء المحيّر لصغير عائلتها، فانتقلت الى المدينة لترافق التحقيقات “وحتى الآن لم نعثر ولو على مجرد خيط يكشف لنا عما حل بحمزة” وفق ما ذكرت عبر الهاتف.

وروت ليلى، وهي مبتعثة من جامعة الملك عبد العزيز وتحضّر لدكتوراه بالرياضيات التطبيقية سنة ثالثة في جامعة واترلو، أنها اتفقت مع شقيقها قبل يومين من اختفائه في 14 الجاري أن يزورها بعد 6 أيام ليمضي معها العطلة حتى نهاية العام “لكنه اختفى، فتركت كل شيء الى ساسكاتون التي أنزل بأحد فنادقها الآن مع إحدى صديقاتي، وقد تلحق بي شقيقتان لي من السعودية” كما قالت.

وروت أن عائلتها المقيمة في حي المنار بجدة هي من مكة المكرمة أصلا، ومكونة منها ومن حمزة و3 شقيقات: الكبيرة لينا، وهي الوحيدة المتزوجة، وتعمل لدى شركة سيغما في جدة التي تعمل فيها شقيقتها الثانية آلاء، وهي دكتورة متخصصة بالأشعة في مستشفى الحرس الوطني، في حين تعمل الأخت الثالثة، أبرار، طبيبة أيضا في مستشفى الملك عبد العزيز بالمدينة.

أما والدها، نائل الشريف، فمتخرج بإدارة الأعمال من ألمانيا، وهو متقاعد من عمله السابق حيث كان يدير أملاكا عقارية للعائلة بجدة ومكة المكرمة، وعمره 70 سنة تقريبا. وهو معتل الصحة، وخضع قبل عامين لعملية تغيير شرايين بالقلب، لذلك لا يقوى على تحمل تبعات اختفاء ابنه، وكذلك الأم التي لا يزيد عمرها عن 55 سنة، فهي تعاني من الضغط وتعيش أوقاتا عصيبة.
اختفى وهو في وسط امتحانه النهائي
ومما ذكرته ليلى أن شقيقها، وهو مبتعث من شركة سابك ويدرس الهندسة الكيماوية بجامعة ساسكاتون، كان يوم اختفائه يجري امتحاناته لنهاية هذه السنة الثالثة من دراسته التي تنتهي بتخرجه العام المقبل “والامتحان هو على مراحل، فأنهى مرحلة أول يوم، لكنه اختفى قبل 24 ساعة من اليوم الثاني للامتحان، وهذا غريب ويزيد من غموض ما حدث” كما قالت.

وهناك الأغرب، وعلمه زميل لحمزة من الشرطة ثم وصل صداه سريعا الى الطالب المبتعث أحمد موسى مباركي، وهو رئيس نادي الطلبة السعوديين بمدينة ريجيانا،

عاصمة مقاطعة “ساسكاتشوان” حيث تقع أيضا ساسكاتون على بعد 3 ساعات منها بالسيارة، فنقل عبر الهاتف الى “العربية.نت” ما وصله من معلومات مهمة ولها دلالاتها.
كشف مباركي أن حمزة لم يسحب منذ اختفائه حتى الآن أي مبلغ من حسابه بالبنك، لا مباشرة ولا من آلات السحب. كما أن الشرطة وجدت جواز سفره وكل أغراضه الخاصة وبطاقاته الائتمانية ومحفظته في شقته التي يقيم فيها بمفرده بالمدينة حين دخلتها. وفيها وجدت أيضا هاتفه الجوال، لكنه كان خاليا من شريحته الإلكترونية “أي أنه، أو شخص آخر، تعمد سحبها لسبب ما” وفق تعبيره.

وتساءل مباركي عما إذا كان حمزة الشريف تعرض للخطف أو ربما لهجمة من دب افترسه “فقد جرت حوادث كثيرة في هذه المقاطعة وتعرض فيها كنديون للافتراس من دببة هاجمتهم في مناطق بعيدة إجمالا عن المدن” كما قال.
هل هاجمه دب في المنطقة وأتى عليه ؟

وكانت “العربية.نت” اتصلت أيضا برئيس نادي الطلبة السعوديين في ساسكاتون، المبتعث بندر باوزير، فامتدح زميله حمزة “لأنه لا يدخن ولا يحتسي خمرا، وهو يصلي ويصوم ومثالي الأخلاق ومعتدل المسلك الديني، ولم أسمع عنه أي سلبيات طوال 3 سنوات من إقامته بالمدينة، وهو يطبخ طعامه بنفسه في بيته، لكنه انطوائي بعض الشيء” وفق ما قال عبر الهاتف.

وشرح باوزير أن سبب وصفه لحمزة بالانطوائي هو لعدم مشاركته في نشاطات النادي “فهو لا يظهر إلا حين كنا ننظم مباراة بكرة القدم، ثم يتغيب عن باقي اللقاءات، وبالكاد كنا نراه بيننا من بعدها”.

ووصف باوزير المنطقة التي يعيش فيها حمزة الشريف في ساسكاتون المعروفة بمدينة الجسور، حيث يقيم أكثر من 100 مبتعث سعودي، فقال إن الغابات بعيدة عنها، وإن الدببة تتواجد في الشتاء بجوارها “لكني لا أعتقد أن أحدها هاجمه، فنادرا ما يحدث هذا داخل المدينة” وفق تعبيره.

الكلام نفسه ذكره أيضا زميل آخر لحمزة، وطلب من “العربية.نت” عدم ذكر اسمه، شارحا أن الدببة نادرا ما تظهر في المدينة، بل بعيدا عنها وقرب النهر بشكل خاص “لكن لو هاجمه الدب بغتة، فإن الشرطة كانت ستجد أثراً من حالة الهجوم القاتل عليه بالتأكيد” كما قال.

وأضاف الزميل أنه لا يتصور أن أحدا خطفه، وإلا لكان طلب فدية. أما لو قضى قتيلا لأي سبب فإن القاتل كان سيترك أثرا “لأن الشرطة التي وزعت عنه إعلانات بالباصات وسيارات التاكسي، أطلقت كلابا تقفت أثره ومسحت المنطقة بالهليكوبتر، لكنها لم تعثر على ما يشير إليه، وأنا أخشى أن يكون تعرض لانزلاقة عند النهر فجرفه، أو ربما هوى من الجسر” طبقا لتعبيره.
رياضة المشي قرب مجاري الأنهار

لكن ليلى استغربت ما ذكره الزميل، وقالت إن أحدا لم يخبرها بأن الشرطة استخدمت الكلاب أو الهليكوبتيرات للبحث عن أخيها الذي تقول إنها أكثر من يعرف شخصيته وميوله بين شقيقاتها، واعتادت أن تكلمه بالهاتف يوميا تقريبا. كما لم تر إعلانات عنه بالباصات أو التاكسيات، إنما في الجامعة فقط، وطلبت فيها الشرطة من الطلاب تزويدها بأي معلومات قد تساعد في العثور عليه.

كما بثت الشرطة رسائل لبعض زملائه تسألهم عنه، ونشرت رقم هاتف خاص ضمن خبر صغير عن اختفائه بالصحف ليتصل به من يعلم بأي جديد عن حمزة الذي أكدت ليلى بأنه لم يكن مرتبطا بأي علاقة مع فتاة كندية أو غيرها “وإلا لكنت علمت بها، أو علم بها أحد زملائه على الأقل”.

واعترفت بأن “الانطوائية” قد تكون من صفات أخيها، لكنها رفضت اعتبارها حالة مرضية، وقالت: “صحيح، لم يكن اجتماعيا لكنه ودود، وربما كان معظم معارفه في ساسكاتون يختلفون عن أصدقاء اعتاد عليهم في جدة سابقا “ولهذا ظهر لهم كانطوائي بعض الشيء”.

وروت أن شقيقها غير معتل بأي مرض جسدي أو نفسي، كالاكتئاب وما شابه، وهو يهوى رياضة المشي “واعتاد ممارستها على الطبيعة، خصوصا قرب مجاري الأنهار” وشقته هي في وسط ساسكاتون وقريبة 15 دقيقة مشيا من نهر كبير وطويل يمر في وسطها تقريبا.

وعن النهر نقلت ما قالته الشرطة حين التقت بمحققيها السبت الماضي، فأخبروها أنهم لن يجدوا شيئا فيما لو اتضح أن النهر جرف شقيقها اذا ما انزلق الى مياهه لسبب ما، أو فيما لو أقدم على الانتحار مثلا “لأنه عميق وعنيف وسريع الجريان وجارف” وقالت إن الشرطة التي علمت بكافة اتصالاته من فاتورة هاتفه الجوال، وآخرها كان اتصال منه لصديق بالسعودية، لا تملك أي تفسير لاختفائه، وبأنه لو كان معتقلا لدى جهة رسمية في كندا لسبب ما لسمحوا له بالاتصال بذويه.
محقق كندي خاص يحاول حل اللغز

ومن الجانب الرسمي دخلت السفارة السعودية بالعاصمة الكندية، أوتاوا، على الخط أيضا لحل اللغز الذي تولاه منذ البداية الملحق الثقافي فيها، الدكتور فيصل أبا الخيل. كما تولاه رئيس شؤون السعوديين بالسفارة، محمد بن سليمان البطاح.

وقام البطاح بتكليف محقق كندي خاص بدأ يقوم بتحرياته بمعزل عن الشرطة لمعرفة مصير الشريف، كما بدأ أحد محامي السفارة بالتواصل مع سلطات المدينة الموصوفة بأنها بين الأكثر أمنا على كل صعيد، إلا من دببة تتجول في ضواحيها بالشتاء وتحمل بعض الصيادين على القدوم إليها لاقتناصها بموجب رخص للصيد الحيواني رسمية.

كما تبلغت الخارجية الكندية أيضا بأمر الاختفاء الغريب للطالب السعودي وسط مشكلة تحد من تحركها هذه الأيام بشكل خاص، وهي أعياد الميلاد ورأس السنة التي دخلت معها البلاد في عطلة تتوقف خلالها معظم النشاطات الرسمية حتى الأيام الأولى من العام المقبل.

مع ذلك تأمل ليلى بمزيد من الجهود الرسمية للعثور على أخيها، وهي لا ترى في الميدان حتى الآن سوى الشرطة، ومعها أمل ما زال حيا بأن يعود الغائب سالما الى أهله وذويه، وإلا فإن اللغز سيستمر مرفقا دائما بالسؤال المحيّر الكبير: ما الذي حدث تماما لحمزة الشريف؟.