نظرة الطفل السوري “عمران” الذي تم إنقاذه من بين حطام مبنى متهدم في حي القاطرجي، بمحافظة حلب السورية، وهز العالم بصورته التي تحولت إلى “أيقونة” للحرب السورية، حجبت نظرة أخرى، لم تحظ بتغطية الإعلام العربي أو العالمي، وهي نظرة شقيقته التي كانت إلى جواره في سيارة الإسعاف بعد إنقاذهما هما وباقي الأسرة.
فاز الطفل عمران بأسر قلوب كل من شاهد صورته التي تنطوي على نظرات الحيرة والعجز عن فهم أهوال حرب الأسد التي سقط فيها شقيقه “علي” بعد ساعات من إنقاذه. وتحولت حركة عينية اللتين تحاولان فهم ما يجري، بكل ما تختزناه من طفولة وبراءة، إلى سهمين اخترقا قلوب الملايين في كل أنحاء العالم.
إلا أن شقيقته التي كانت إلى جواره في سيارة الإسعاف، عبّرت هي الأخرى بعينيها المتعبتين الخائفتين، عن أهوال الحرب، في نظرة إلى لا مكان ولا اتجاه، في خط يتقاطع مع خط نظرة أخيها التي ألهبت العالم.
شقيقة عمران التي لم تحظ بالتغطية الإعلامية التي حظي بها شقيقها، كان لديها ما تقوله هي الأخرى، وهي الجالسة إلى يسار شقيقها، واضعة يديها على وجه الكرسي، للاحتماء من السقوط أو الوقوع أو الانفلات، في حركة سيكولوجية المنشأ تعني خوف صاحبها من السقوط أرضاً. وهي التي تم إنقاذها، في الأصل، من قصف أسديّ روسي، أوقعها أرضاً قبل هُنيهة!
وضعية التثبيت والتأمين التي بدت عليها شقيقة عمران، هي ذاتها الوضعية التي بدا عليها “عمران” أيضا، فهو الآخر، وبحركة عفوية، ثبّت جسده بوضع اليدين كدعامتين يمين ويسار الجسد منعاً لسقوطه، ذلك أنه هو الآخر جاء ومنذ هنيهة، من وضعية سقوط نحو الأرض بين الركام، بعد القصف.
حركتان بالغتا الدلالة إلى المكان الذي جاء الاثنان منه، عمران وشقيقته، وهو مكان سقوطهما على الأرض، وعبّر عن ذلك بوضع الأكف على يمين ويسار الجسد، كدعامتين تمنعان السقوط.
اكتفت شقيقة عمران بتثبيت جسدها بوضع يديها يمين ويسار جسدها، منعا لسقوطه، على غير ما فعله عمران بالبحث الطفولي عما أصابه وما هو حوله. فهي تكبره في السن، وفي العمر الذي يجعل الإحساس بالخطر، قائماً ومعبراً عنه.
ظلِمت شقيقة “عمران” في التغطية الإعلامية. وهي الطفلة “الأنثى”، لا لسبب سوى أن شقيقها أسر قلوب الناس في أصقاع الأرض، بنظرته الطفولية الباحثة عن شيء تفهمه والعاجزة أصلا عن فهم الخطر الذي كان فيه أو الذاهب إليه، وينطبق على نظرته غير العارفة بأهوال الحرب ما قاله الشاعر الإسباني الكبير “خيمينيث”: “كنتُ طفلاً. كنتُ خالداً. كنتُ لا أعرف شيئاً عن الموت”.
وفعلاً، لم يكن عمران عارفاً بالموت، فقد “كان طفلاً” كما عبّر “خيمينيث”. أمّا شقيقته التي خرجت بعض الشيء من التغطية الإعلامية، فقد عرفتِ الموت، وفهمت ما يعنيه. ونظرتها الساهمة الخائفة في الصورة، تكشف كل ذلك وأكثر منه.
الله يكون بعون سوريا واهل حلب بالذات لانملك سوة الدعاء