تسير الحياة بوتيرة لطيفة في وادي البقاع الخلاب في لبنان.
وتتحرك الجرارات الزراعية على طول الطرقات الريفية الضيقة، بينما تزهر الكروم النائمة تحت وهج أشعة الشمس الخجولة في فترة بعد الظهر.
وفي وسط هذه الخلفية الخضراء والخصبة، تثمر جذور صناعة النبيذ الحديثة في لبنان.
ولكن، يبدو أن الصراع في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط، قد عطل هذا المشهد المثالي خلال السنوات الأخيرة.
وقال المدير الإداري في مصنع النبيذ اللبناني “شاتو كسارة” شارل غسطين، إن السياح امتنعوا عن زيارة وادي البقاع بسبب أعمال العنف الجارية في المناطق القريبة، موضحاً أن الزوار من سوريا المجاورة، كانوا من بين أفضل العملاء لـ” شاتو كسارة.” ولكن، تغير ذلك بشكل كبير منذ بدء الحرب الأهلية المدمرة في ذلك البلد قبل ثلاث سنوات.
وأضاف غسطين: “كان لدينا 70 ألف زائر سنوياً،” مشيراً إلى أن “الأوروبيين والأمريكيين واليابانيين كانوا يزورون سوريا وبعدها لبنان،” مشيراً إلى أن “هذا الأمر أثر علينا، إذ كنا نقوم سابقاً بتصدير 300 ألف زجاجة نبيذ إلى سوريا سنوياً. وحالياً، نقوم بتصدير 50 ألف زجاجة فقط.”
وقد اضطر “شاتو كسارة” إلى النظر نحو أسواق جديدة لتعويض حالة النقص. وتعمد غالبية مصانع النبيذ في لبنان إلى حشد الدعم فيما بينها لترويج منتجاتها.
وفي هذا السياق، أشار غسطين إلى أن “مصانع النبيذ اللبنانية باتت تنضوي جميعها تحت الجناح اللبناني لدى المشاركة في المعارض الدولية،” مضيفاً: “قبلاً، كل مصنع نبيذ كان لديه جناحه الخاص.”
وشرح غسطين أن المجموعة تتطلع لبيع قصة وتاريخ لبنان وليس فقط النبيذ اللبناني، مشيراً إلى أن مجموعة من الأقبية القديمة والتي اكتشفت تحت الأرض التي تملكها كسارة في العام 1898، كشفت عن التاريخ الغني لإنتاج النبيذ في لبنان.
وأضاف غسطين أن “هناك مليون زجاجة من النبيذ، خزنت في هذه الأقبية والتي تعود إلى العصر الروماني.”
وتعود صناعة النبيذ إلى آلاف السنوات في لبنان، ولكن الإنتاج في العصر الحديث حقاً لم يبدأ حتى القرن العشرين.
واعتبر الكاتب المتخصص في مشروب النبيذ مايكل كرم، أن هذا الأمر يضع لبنان وراء الدول الأخرى المنتجة لمشروب النبيذ، من حيث تسويق سمعته العالمية.
وأوضح كرم أن “لبنان ينتج ثمانية ملايين زجاجة من النبيذ سنوياً،” مضيفاً: “رغم أن هذا العدد يبدو كبيراً في البداية، إلا أنه يبدو ضئيلاً بالمقارنة مع بلدان أخرى مثل تركيا، التي تنتج 70 مليون زجاجة من النبيذ سنوياً، وقبرص التي تنتج بين 35 و 40 مليون زجاجة نبيذ.”
ولكن، الإنتاج الأكبر ليس دائماً الأفضل. وتعتبر ندرة النبيذ اللبناني بمثابة عامل مميز، يمكن لمضانع النبيذ أن تستفيد منه لإبراز منتجاتها، بحسب ما يعتقد كرم.
وأضاف كرم أن “الرسالة التي يجب توجيهها إلى المستهلكين، مفادها أن مصانع النبيذ اللبنانية تنتج فقط ما قيمته ثمانية ملايين زجاجة سنوياً،” موضحاً: “تعالوا واحصلوا عليها متى أمكنكم ذلك.”
وتحقيقا لهذه الغاية، فإن مصانع النبيذ الضخمة والتي تتوج كل زجاجة بلمسة شخصية، لا تعتبر الوحيدة في ذلك، بل تسعى أصغر مصانع النبيذ العائلية مثل “دومين ديس توريليس” إلى تحقيق الفرادة والتميز أيضاً.
وقال فوزي عيسى الشريك في ملكية “دومين ديس توريليس” ، إن “الرسالة من وراء مصنع النبيذ مفادها إنتاج نبيذ بجودة عالية، إذ أن المنتجات من هذه الأرض يصنعها أشخاص يعملون في هذه الأرض.”
وينتج مصنع النبيذ “دومين ديس توريليس” حوالي 250 ألف زجاجة من النبيذ سنوياً، إلى جانب إنتاج المصنع بشكل أساسي لمشروب العرق المصنوع من اليانسون.
وقال عيسى إن “هدفي يتمثل بالعالمية، وإظهار لبنان في كل مكان، حتى يكون النبيذ اللبناني موجود في قائمة كل مطعم في العالم كله.”
ولكن، عيسى ما زال مدركاً أن لبنان يجب أن يتغلب على الصور السلبية في الخارج. ويوافقه غسطين في الرأي، إذ يقول إن “الرسالة التي نريد تقديمها إلى العالم، مفادها أن لبنان ليس دولة مصدرة للإرهاب، بل لبنان مصدر للثقافة والنبيذ الجيد.”