كشف جنديٌ بريطاني باع منزله للسفر للذهاب من أجل قتال تنظيم داعش كم هو “هزلي أحياناً” ما يفعله المتطوعون خلال قتال المتطرفين الذين وصفهم بـ”الجبناء” على خط المواجهة.
الجندي البريطاني تيم لوكس ألَّف كتاباً باسم “الحروب الحديثة” عن قتال داعش؛ لم يلقَ أي تدريبٍ عسكريٍ قبل أن يغادر حياته بلندن ويذهب إلى إقليم كردستان للمشاركة في القتال، عام 2014، بعد استيائه من مذابح تنظيم داعش الوحشية في منطقة جبل سنجار بالإقليم، وفقاً لتقرير لصحيفة Daily Mail البريطانية.
وعندما قرر لوكس اتخاذ تلك الخطوة؛ كان أكثر من 5000 شخص قد لقوا حتفهم عندما شنّ تنظيم داعش هجومه على المنطقة الكردية شمال العراق.
وفي غضون ستة أشهر، كان لوكس، قد باع منزله واختار التخلي عن شركته بمجال البناء والتشييد، من أجل الذهاب والمشاركة في القتال.
“إن بيع منزلك يبدو قراراً كبيراً؛ ولكنّي حسمت أمري بشأن ما أردت أن أفعل، وعلمت أنني قد لا أحتاجه لأن هناك فرصة كبيرة ألا أعود مجدداً” هكذا قال لوكس.
تحدث لوكس إلى غربيين آخرين أرادوا فعل نفس الأمر الذي قام به، حتى أنه أعطى أحد الأشخاص الذين قابلهم مبلغ 4500 جنيه إسترليني، كي يلتقيا ويذهبا إلى جبهة القتال معاً.
للاستعداد؛ حجز لوكس دورة تدريبية في الحماية بأوروبا، والتي كانت تقدم تدريباً على استخدام الأسلحة النارية؛ حيث قال “لقد كانت هذه دورة تدريبية للمبتدئين باستخدام الأسحلة النارية، ولكني اضطررت حينها لفعل ذلك بأوروبا بسبب قوانين الأسلحة النارية في المملكة المُتحدة”.
وقام بتسليح نفسه بدرع واقي، ومُستلزمات طبية وغذائية بإمكانه اصطحابها معه، ثم انطلق للقاء صديقه روب، الذي عرفه عبر الإنترنت، ولم يكن مُتأكداً إن كان سيصل أم لا.
استقل كلاهما عند الوصول سيارة أجرة للقاء المقاتلين بالمقاومة في دهوك بكردستان، وهناك ساعدوه على شراء بندقية من طراز AK-47، بمبلغ 700 جنيه إسترليني، ومسدّس من طراز Glock بمبلغ 1340 جنيهاً إسترلينياً.
انضم لوكس هناك إلى مجموعة ميليشيا مسيحية باسم دويك ناوشا، والتي تعني “المُضحّون بأنفسهم” ليلتقي بمتطوعين غربيين آخرين، لدى البعض منهم خبرة عسكرية تصل إلى أكثر من 20 عاماً بجيوش الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا.
وفي وقت لاحق؛ انضم إلى الكتيبة الدولية “IDET”، التي تتشكل من محاربين متطوعين مُخضرمين، للمساعدة على تمشيط القرى والقتال على مقربة من ساحة الأحداث.
وبينما كان يقاتل جنباً إلى جنب مع وحدات حماية الشعب الكردية، وضع تنظيم داعش، الذي نهب حقول النفط في المنطقة، مكافأة قدرها 110 آلاف جنيه إسترليني مقابل رأس أي غربي بالمنطقة.
وذلك في حين أنه لم يكن يحظى معظم أفراد المجموعة بتدريبٍ عسكري رسمي، وقال لوكس إن تلك الفرقة غير المُنظمة من الإخوة تشبه “جيشاً أبوياً”.
خلال وصفه لليلة واحدة في الدورية؛ يشرح لوكس كيف طلب صديق له استعارة حقيبة الظهر الخاصة به ليتمكن من تعليق سماعات جهاز “iPod” ويستمع بصوت عالٍ إلى أغنيات إلفيس، تاركاً وضع المراقبة.
وبعد لحظات؛ تعثّر لوكس، الذي يفترض أنه لاعب كمال أجسام سابق، برصاصات تركها زميل له على الأرض في جوف الليل.
عند هذه النقطة: كانت أعظم ألحان نيل دايموند تشدو بصوت عالٍ من سماعات جهاز الـ” iPod”، وأحد أفراد دوريتهم كان يُجري مكالمة عبر سكايب مع خليلته بالولايات المُتحدة، فيما كان آخر يلعب “كاندي كراش ساغا” على هاتفه.
ويصف لوكس أيضاً حالة الانفعال الشديد التي حدثت عندما رصد زميل له عبر نظارات الرؤية الليلية ما كان يبدو مقاتلاً من صفوف العدو، على بعد أمتار فحسب وانبطحوا أرضاً للاحتماء.
ولكن بينما كانت القوة المكونة حينها من ثلاثة رجال فحسب في انتظار التقدم، سرعان ما أدركوا أن ما رأوه كان فقط انعكاس ظلّهم.
يقول لوكس “كان هناك أشخاص موجودون لأسباب خاطئة، فهناك من تواجد للحصول على منشورات وصور جيدة لتحديث حالته على موقع فيسبوك؛ ولكن كان هناك آخرون ممن يرغبون حقاً في المساعدة”.
وعلى الرغم من عدم تعلّم كل شيء بشأن العمل، كان لوكس ومجموعة المتطوعين الغربيين يكافحون لمساعدة المُيليشيات الكردية بنجاح، وإجبار الأعداء على التقهقر إلى خارج حدودهم.
وفي الوقت الذي كانت قيمة رأس أي غربي تقدّر بمكافأة تبلغ 115000 جنيهاً إسترلينياً، وقف جندي من ولاية تكساس الأميركية على الخطوط الأمامية للقتال ملوّحاً بالعلم الأميركي، ولكن لم يتعرض أحد للهجوم.
ويعتقد لوكس أن هذا السيناريو يلخص السبب المفسر لعدم فوز المتطرفين أبداً في كردستان، ما دام الناس يتصدون لهم.
يرى لوكس أنه على الرغم من الدعاية، فإن الحقيقة إن مقاتلي التنظيم لا يرغبون حقاً في الدخول بمعارك حقيقية، فهم يقتلون سكان القرى غير المُسلّحين، بدلاً من الجنود المدججين بالسلاح، علاوة على انعدام خبرتهم.
فقال لوكس “لقد عرفنا أنها دعاية فحسب، فهم يستخدمون أي شيء لديهم لإثناء الناس عن المشاركة بالقتال”.
وأضاف “لقد عرفوا بالضبط أين نحن، وكان بوسعهم الهجوم، ولكنهم بدلاً من ذلك كانوا يقتلون الأبرياء غير المُسلحين وغير المحميين”.
وتابع قائلاً “إنهم يحاولون السيطرة على الناس من خلال الخوف، وما لم تكن مذعوراً منهم، فأنت تقطع بذلك شوطاً كبيراً في تعطيل جدواهم”.
وقال “إنهم يريدون السلطة والمال، وينفذون أعمالاً وحشية للسيطرة على المدن والقرى عبر بث الخوف، إنهم ليسوا سوى جبناء وبلطجية”.
في كتابه عن قتال داعش؛ ذكر لوكس أنه دائماً ما كان يوجد “واي- فاي” بالصفوف الأولى للاشتباك”.
ويستخدم المشاركون تطبيقات للمراسلة مثل “واتس آب”، من أجل التواصل، لأنها مُشفرة على نحو أكثر أمناً من أجهزة اللاسلكي.
كما التقط لوكس صورة “سيلفي” مع بعض السكان المحليين أثناء اختبائهم بساحة المعركة بالتزامن مع شن داعش هجوماً بقذائف الهاون بلا رحمة على موقعهم.
ونشر لوكس صوراً لنفسه مع مجموعة من الكلاب تسير خلف المقاتلين، حتى أنه خطط لتبني البعض منها من قِبل عائلات بالولايت المُتحدة.
فتلك الصور أظهرت الجانب الأكثر ليناً من الحرب، ولكنها سرعان ما تتناقض على الفور مع صور البلدات والقرى التي صارت أنقاضاً بفعل القتال.
يقول لوكس “أنت على خط المواجهة ضد أعظم شر في العالم، وتتساقط قذائف الهاون حولك وتحاول داعش قتلك وأنت تحاول قتلهم. لقد فقدت أصدقاءً محليين، وهذه مأساة، ولكن ثمة شر في حاجة لأن يُهزم، ولسوء الحظ هناك خسائر بشرية أيضاً، إنهم شهداءٌ بالمعركة ولن يتم نسيانهم أبداً. إنه أمرٌ صعبٌ للغاية ولكن عليك إنجاز المهمة”.
ويقول تيم لوك إن مساره الدفاعي قاده إلى حمل السلاح، كما دفعه إلى ردع المضايقات التي كان يتعرض لها كطالب في مدرسة ستو، بمنطقة باكينجهامشير، التي تبلغ رسومها الآن 11.500 جنيه إسترليني سنوياً.
ولم يرغب والداه أن يلتحق بالجيش، ولكنه كان يزدري الحياة المدرسية للغاية، وعندما التحق بالكلية في لندن تسرّب منها قبل إتمام عامه الأول من الدراسة.
وواصل العمل في ملاهي Thorpe Park بمدينة ساري، وقضى كذلك أربع سنوات في التعامل مع الأحداث بسجن فيلثام، وعمل أيضاً كحارس بمقهى ليلي بالمنطقة.
ثم مضى لوكس في تأسيس شركة إنشاءات ناجحة، وكانت له حياة مريحة بمنزله وعطلاته المتعددة التي كان يقضيها بالخارج كل عام عندما قرر التخلي عن كل شيء.
يقول لوكس “لقد أعتقد الناس أني مجنون، وقال أصدقائي إنني مُختل عقيلاً وحاول والداي فعل كل شيء كي أغير رأيي، كانت أمي تبكي، ولكني ما إن عقدت العزم على فعل شيء، فإني أفعله”.
وتناول لوكس وجبة بسيطة مع أصدقائه بمدينة ناندو، كان يعلم أنها قد تكون وجبته الأخيرة، قبل أن يستقل الطائرة للالتحاق بالمقاومة في كردستان.
يقول “لقد ظن الناس أني غريب، ولكن ذلك كان يجلب لي شعوراً مثالياً، أنا فقط كنت أشعر بأنه على الناس التصدي لداعش وفعل ما بإمكانهم لمكافحة ذلك الشر”.
“كانت سنجار نقطة تحوّل بالنسبة لي؛ لقد أكتفيت من الجلوس والمشاهدة، فقد جعلني ذلك أشعر بشعور رهيب في حين لا ينبغي أن يُسمح بحدوث هذه الأشياء، فلا ينبغي على الناس أن يحرقوا آخرين أو يأخذوا النساء كعبيد للجنس”.
وبطريقة ما؛ كان التحضير يسيراً، فقد اشترى درعاً واقياً ومعدات حيوية أخرى عبر موقع eBay الإلكتروني، ورتّب للقاء مقاتلي المقاومة عبر فيسبوك.
وبسهولة؛ بعث بصورة من جواز سفره وتذكرة الطيران، ونظموا هم نقطة للالتقاء، وأخبروه كذلك بشأن كل شيء قد يحتاجه للمعركة المقبلة.
ومع ذلك؛ فقد كانت هناك تحديات غير متوقعة، فقد سحب لوكس الدولارات التي يحتاجها من البنك بكميات صغيرة شيئاً فشيئاً على مدى شهور، حيث كان يخشى إخبار البنك بشأن ما كان سيفعله بتلك الأموال.
ولم يكن متأكداً أيضاً ما إن كان سيسمح له بالعودة إلى بريطانيا بعد السفر إلى الخارج للقتال.
وبمجرد وصوله هناك كان عليه كسب ثقة المحليين الذين يقاتلون داعش لسنوات في موطنهم، قبل أن يتمكن من الوصول إلى خط المواجهة.
حيث يقول “عليك أن تقاتل من أجل الوصول إلى خط المواجهة، عليك أن تثبت نفسك، وتثبت أنه بإمكانك تلقي الأوامر وأن تكون ترساً صغيراً في آلة كبيرة”.
أضاف تيم “إنهم مرحبون جداً جداً وممتنون لوجودنا يقدمون لنا أفضل ضيافة، إنهم مصدر هائل للحماية، لأن آخر شيء يرغبون فيه هو أن يُقتل المتطوعون الغربيون”.
وتابع “لقد أجريت الكثير من البحث، وأعددت نفسي بقدر ما تمكنت، ولكنّي تعلمت أشياءً في كل يوم عندما كُنت هناك، لقد كان هذا منحنىً تعليمياً جاداً جداً”.
“كان انعدام خبرتي بمثابة رصيد في بعض النواحي، لأنك إذا ذهبت إلى هناك وكنت قد خدمت لمدة 15 إلى 20 عاماً، فستكون لديك طريقة محددة جداً للقيام بالأشياء، أما أنا فقد كنت كورقة بيضاء، والطريقة التي يقومون عبرها بالأشياء هناك تختلف عما يجري في أي مكان آخر”.
بعد أن أمضى لوكس عاماً في محاربة المتطرفين؛ عاد لفترة وجيزة إلى المملكة المُتحدة ليحاول جمع المزيد من المال لمواصلة القتال وتعهد بالعودة إلى ساحة القتال عندما يستطيع.
ولكن في بريطانيا؛ وحتى في العراق التي قاتل على أراضيها، يعيش معظم الناس في سعادة دون دراية بالعنف الذي يجري.
فيقول “إن أربيل تعد مدينة عادية، بها المطاعم والمقاهي، في حين أنها تبعد 30 كيلومترا فقط عن خط المواجهة مع داعش، فأنت مع الوقت تعتاد على ما يحدث وتحقق أفضل ما يمكن في وضعك الحالي”.
وأضاف “أنا عائد للقيام بالقليل من الأمور بالمملكة المُتّحدة، ولأخذ هدنة، ولكني سأعود مجدداً بعد العطلة الصيفية، فلدي أصدقاء مقربون هناك، وأنت تكون برفقة معارك قوية للغاية، وما زال الناس يقاتلون على نحو جيد وسأعود إليهم قريباً”.