و.م.ع – في أقصى شمال أوروبا يصوم مسلمو إيسلندا، بتنوع أصولهم وثقافتهم، في أجواء استثنائية عن باقي بقاع العالم.. حيث اختار البالغ عددهم 1500 شخص أن يقضوا رمضان في بلد لا تغيب عنه الشمس صيفا، وتعرف بعض مناطقه ما يطلق عليه بـ”شمس منتصف الليل”.
وبعيدا عن الأهل والوطن، ارتبط اسم إيسلندا بالانتماء لأرض جديدة تزرع فيها بذور تسامح كبير بين مسلميها والسكان الأصليين بها، إذ يجتمع فيها المسلمون، على قلتهم، بأهلها في رمضان ليشكلوا معاني التعايش البناء.
ويستغل المسلمون مناسبة الصيام لكي ينفتحوا على بعضهم البعض على الرغم من اختلاف أصولهم المجتمعية ومناطقهم الأصلية، في تلاحم إيماني يستحضر البعد الروحي لرمضان والشعور بالوحدة الإسلامية.
هذا التلاحم الإيماني يزيح نوعا ما غربة صيام ساعات طوال، إذ تغرب الشمس في العاصمة “ريكيافيك” في منتصف الليل، ويتم الإمساك عن الأكل في حدود الساعة الثانية والربع صباحا، لتحقيق نحو 22 ساعة من الصوم، وهي أطول مدة صيام في العالم.
ويقول كريم عسكري، المدير التنفيذي للوقف الإسلامي بإيسلندا، إن صوم رمضان بالنسبة لساكنة هذا الجزء من العالم يأتي من الإحساس الخاص بالتدين في الغربة باعتباره يربط المغترب بثقافته الدينية ويحرك فيه مشاعر الإيمان، وخاصة أيام شهر رمضان المبارك.
واعتبر كريم عسكر أن لكل جالية عادات وتقاليد مستنبطة من بلدها الأصلي، إذ يتم استرجاع ما يذكر أفرادها ببلدانهم وأهاليهم، معتبرا أن رمضان في إيسلندا مزيج من الشرق العربي والمغرب العربي والشرق الآسيوي.
ويظهر في مساجد الجاليات بالبلاد، يقول عسكري، “خليط هائل من العادات التي تبين عظمة الدين الإسلامي، وما حمله العرب من الهداية والنور والسلم والأمن إلى العالمين”.. كما أكد أنه على الرغم من الساعات الطوال لنهار رمضان، التي تشكل صعوبة لدى بعض الفئات من المسلمين وخاصة الجدد منهم، فإن الأمر إيجابي لأنه “يحث المسلمين على ارتياد المساجد من صلاة المغرب إلى غاية الفجر، وأن يتناولوا سويا الفطور والسحور. وهنا يجد المرء أصناف الأطعمة المنحدرة من بلدان شتى”.
وأشار ذات المتحدث، من جهة أخرى، إلى أن العاصمة الإيسلندية من ضمن المناطق التي تغرب فيها الشمس ولا يغيب ضوؤها، عكس مدن شمال البلاد، التي لم تغرب عنها الشمس خلال الأيام العشرة الأولى من شهر رمضان لهذه السنة.
وأبرز عسكري وجود فتاوى تراعي التخفيف على الصائمين من ضمنها احتساب وقت الإمساك والإفطار حسب أوقات الاعتدال الخريفي أو الربيعي، أي نفس توقيت الفجر والمغرب، حين يستوي الليل والنهار.. وكشف عن وجود مشاورات مع بعض العلماء المسلمين في البلدان الاسكندنافية قصد التوافق على فتوى موحدة تهدف إلى توحيد معيار الصيام في هذه البلدان.
يذكر أن إيسلندا تعرف بتغطية الأنهار الجليدية لنحو 12 بالمائة من مساحتها، وتوجد بها العديد من البراكين الثائرة التي تضيء ظلمة شتاء قاسي لبلد اشتهر باسم “أرض الجليد والنار”.. كما تعتبر إيسلندا من البلدان التي لا تتواجد بها سوى أعداد قليلة من المسلمين، وقد ترجمت معاني القرآن الكريم إلى اللغة الإيسلندية سنة 1993 من أجل تقريب الإسلام إلى سكانها.