محمد المختار ولد محمد الأمين اسم ضمن أسماء كثيرة لعشرات الآلاف من اللاجئين الماليين الذي وصلوا الأراضي الموريتانية خلال الأسابيع الأخيرة هربا من جحيم الحرب المستعرة على أراضيهم، وقد تحول لاحقا إلى “رقم” ضمن أرقام سجلتها السلطات الموريتانية، والمنظمات الإغاثية المتعاونة معها في إيواء اللاجئين.
ومع أن الجميع يشترك في حمل صفة “لاجئ” وفي التحول إلى “رقم” ضمن أرقام، وأن لكل واحد قصته “المأساوية” في كثير من تفاصيله، إلا أن قصة “لجوء” المسن محمد المختار نجحت في اجتذاب اهتمام عدد من سكان الشرق الموريتاني، وتربعت، ولو لعدة أيام، على قمة القصص الإنسانية في المنطقة.
فالرجل الذي تجاوز الثمانين من العمر قطع أكثر من 80 كلم سيرا على الأقدام من شمال مدينة ليره المالية إلى مدينة فصالة الموريتانية، واحتاج لأربعة أيام لقطع هذه المسافة، كان خلالها يتحاشى الطرق الرئيسية “خوفا من الطائرات الفرنسية”، حيث رأى الموت بعينه، على حد قوله.
وتعرضت خيمة المسن محمد المختار لقذيفة فرنسية أشعلت النار فيها وشردت النساء والأطفال، وتفرقت أسرته ولا أحد يدري شيئا عن مصير الآخر.
وفشل العجوز في مقاومة دمعة تسللت من بين جفنيه، ويقول “إنا لله وإنا إليه راجعون، أقسم لك أني لم أر مثل هذا في حياتي، كان حجم التدمير كبيرا، وأصوات الانفجارات مفزعة، ومساحة النيران منتشرة”.
وأضاف في حديث لـ”العربية.نت” من مخيم استقبال اللاجئين في مدينة فصالة (3 كلم من الحدود الموريتانية المالية) “لا أدري ماذا يريد الفرنسيون من خيمنا وباديتنا، ليس لدينا أي سلاح ولا نستخدمه، ولا دخل لنا في السياسة ولا علاقة لنا بالمتسيسين، نحن رعاة غنم نتتبع مناطق العشب ومنابع المياه، ولم نتصور إطلاقا أن نتعرض لقصف، أحرى أن يكون بهذه القوة”.
ويؤكد عجزه عن وصف الطريقة التي وصل بها إلى الأراضي الموريتانية قائلا: “والله لا يمكنني أن أصف لك كيف وصلت إلى هنا، كنت أحاول الجري باستمرار، لكن لا أدرك تفاصيل ما أفعل، كما كنت أتجنب الطرق الرئيسية خوفا من الاستهداف، لقد أصبح لدي هاجس أن الفرنسيين والماليين يترصدونني، لا أدري لماذا؟”.
ويشير إلى أنه خلال أربعة أيام لم يجد إلا القليل من الطعام عند حي بدوي مر عليه قريبا من الأراضي الموريتانية، أما المياه فوجد في الآبار والمنابع المنتشرة على الطريق غايته.
سؤال على الشفاه
ورغم مرارة التجربة وعدم الاطمئنان للمستقبل حتى الآن، فإن محمد المختار يسأل كل قادم من جهة “ليره” عله صادف أحد أفراد العائلة، ولسكان البادية قدرة خارقة على معرفة الأوصاف وتمييز السكان، كما تلعب القبيلة والجهة دورا في تحديد الشخصيات.
يجزم ولد محمد الأمين أنه لا يعرف حتى الآن مصير زوجته وأطفاله، ويشيح بوجهه عند ما يفكر أنه بالإمكان أن يكون القصف الفرنسي قضى عليهم، قائلا –في حكم تبرئة لهم – “لم يفعلوا أي شيء فلماذا يستهدفونهم، هم في البادية ولا علاقة لهم إلا بالغنم والعشب والماء”، قبل أن يستدرك في خلاصة أملتها عليه عقوده الثمانية: “إنها الحرب الكل فيها ضحية حتى من يتولى القصف بالقذافات وإطلاق الرصاص، الكل ضحية والجميع يعاني”.
بعد أربعة أيام من السير على قدميه “وصل” محمد المختار إلى ما تصور أنه “بر أمان”، وانضم لعشرات الآلاف من لاجئي وطنه على الأرض الموريتانية، ورغم اكتظاظ مخيم “امبره” الوحيد حتى الآن على الأراضي الموريتانية، واستمرار تدفق اللاجئين بشكل يومي، فإن أحلام وطموحات الكثيرين منهم لا تتجاوز “النوم في مكان هادئ، وتلقي وجبة يومية واحدة تضمن استمرار الحياة في جسد واجه الموت على ثرى وطنه”.