بعيداً عن أفلام هوليوود والشعوذة والجدل الذي يحدث بمفردات علمية أحياناً حول حقيقة “التخاطر” وقراءة الأفكار، استطاع باحثون ولأول مرة من تحويل هذه الفكرة إلى حقيقة، بعد أن تمكنوا من جعل شخص يجلس في فرنسا يستطيع قراءة أفكار شخصٍ يسكن في الهند.
واستخدم الباحثون في تجربتهم تقنية استعانوا بها بالإنترنت وبأحدث ما توصل له العلم في مراقبة الأمواج الكهربائية في الدماغ، وذلك بتمويل من مشروع علمي بدأه الجيش الأميركي منذ عشرات الأعوام، يهدف إلى تعزيز طرق التواصل، وتمكين الجنود الأميركيين من التواصل مع بعضهم من خلال الأفكار والمشاعر من دون الحاجة إلى التعبير عنها بكلماتٍ أو تصرفات أو أوامر.
وتخطت التجربة حاجز اللغة، فحينما فكر الشخص الموجود في الهند بكلمة إسبانية كـhalo، أو ciao بالإيطالية، وهما كلمتان تعنيان مرحباً بالعربية، تمكن الشخص الموجود في فرنسا من قراءة الفكرة بغض النظر عن اللغة المستخدمة أو مدى إلمامه بها.
وقام الباحثون في التجربة، التي نشرت نتائجها في مجلة PLOS one العلمية، بالتالي: وصلوا جهازاً لجمجمة الشخص الموجود في الهند يتمكن من التقاط النشاط الكهربائي لدماغه، وهو ذات الجهاز الذي يستخدم مثلاً في قراءة أفكار الشخص المشلول لتحريك كرسيه المتحرك من دون أن يخترق هذا الجهاز جمجمته، ثم أرسلت هذه المعلومات من خلال الإنترنت إلى جهاز آخر موصول إلى رأس الشخص الآخر الموجود في بلد آخر (فرنسا)، لتشتغل في دماغه الأجزاء التي تستجيب لما فكر فيه الشخص الأول. إنها باختصار، بحسب وصف الباحثين، أول تجربة تخاطر علمية ناجحة عبر التاريخ.
الجيش الأميركي يبحث عن “التخاطر” منذ عقود
وبدأ الجيش الأميركي محاولاته للوصول إلى قراءة الأفكار والتخاطر منذ عام 1967، حينما دعم أبحاثاً أجراها حينها ما كان يسمى بـ”مخابر أبحاث كامبردج لسلاح الجو”، أثبتت أن الإنسان المدرب يمكن أن يرسل من جسده موجات ألفا (الموجات الكهرومغناطيسية بين 8 و15 هرتز) المستخدمة في شفرة “مورس”. ونشرت نتائج هذه الأبحاث حينها في مجلة Nature العلمية.
وفي عام 2008، قدم الجيش الأميركي منحة وقدرها 4 ملايين دولار لتطوير ما سموه بـالتخاطر الصنعي”، وهو نظام لترجمة إشارات الدماغ، بحيث يمكن أن تسمح بحدوث التخاطر بين الجنود الأميركيين من خلال الخوذ، بحيث يتمكنون من التواصل من دون الحاجة للكلام ومهما كانت المسافات.
وتأتي الدراسة الأخيرة لتتوج هذه المحاولات، وليصبح حلم التخاطر بالنسبة للجيش الأميركي على الأقل، أقرب من أي وقت مضى.