ثلاثة شباب يمارسون رياضة ‘الإسكيت’ على كورنيش جدة الجديد مرتدين ‘قناعاً’ يطمس معالم وجوههم، وحينما تقترب منهم للسؤال عن ماهية ما يرتدونه فإنك تحصل على إجابة ‘إنه الوجه الضاحك’.
ولكن لا أحد منهم يدرك أن ما يخفي به معالم وجهه هو قناع ثورة ‘فانديتا’، الذي أضحى يباع بكثرة هذه الأيام في مختلف الشوارع الحيوية في المدينة والأسواق الشعبية، ويجد طريقه سريعاً على وجه الصبية والبنات والشباب من مختلف الأعمار، بل أصبح في بعض الأحيان سيد الشاشات الإخبارية التي تغطي أحداث الربيع العربي والاحتجاجات الشعبية التي يتابعونها.
و’فانديتا’ هي كلمة لاتينية تعني الانتقام, وبدأت قصة القناع على يد الثائر المناهض للملكية البريطانية جاي فوكس، الذي حاول في عام 1606 نسف مبنى البرلمان الإنجليزي بالتعاون مع مجموعة من الثوار، فارتدوا أقنعة تخفي شخصياتهم، لكن المؤامرة اُكتشفت قبل تنفيذ العملية، وأعدم فوكس قبل الهجوم على البرلمان.
وفي 2005، استلهم المخرج جيمس مكتيجو شخصية فوكس لإنتاج فيلم أميركي شهير باسم ‘v for vendetta’.
ومع بداية الثورات العربية في 2011 انتشر القناع بشكل كبير في بلدان ‘الربيع العربي’، وأضحى رمزاً يرتديه ‘الشباب المحتجون’ لمواجهة رجال مكافحة الشغب.
وبينما غضت بعض الأنظمة الطرف عن دخول القناع لأسواقها المحلية، سعت أخرى إلى حظره كالجارة الشرقية للسعودية مملكة البحرين، التي قررت سلطاتها في مارس/آذار الماضي حظر استيراد قناع ‘فانديتا’ الثوري بعد اتساع رقعة استخدامه في الاحتجاجات التي بدأت مطلع فبراير/شباط 2011، لتفادي أضرار الغازات المدمعة وإخفاء شخصياتهم الحقيقية.
وحتى الآن لم يصدر أي قرار حكومي يحظر القناع في السعودية من جهة الاختصاص المعنية ممثلة في أجهزة وزارة التجارة والصناعة، رغم ما كتب عن القناع في شبكتي التواصل الاجتماعي فيسبوك وتويتر، في حين تجاهلت شبكة التلفزة الرسمية تسليط الضوء على هذه الظاهرة.
وكرصد محلي، يشير عدد من الشبان الذين التقتهم الجزيرة نت إلى أن جهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المكلف بالحفاظ على انضباط الممارسات الأخلاقية في البلاد لم يتعرض لأي منهم.
وينتشر هذا القناع الشهير بعدد من الأسواق التقليدية التي من أهمها ‘سوق الخاسكية’ في المنطقة المركزية التجارية بمدينة جدة الذي يبيع مستلزمات الألعاب.
ويؤكد أحد الباعة في هذا السوق للجزيرة نت أن القناع يحظى بإقبال كبير جعله الأكثر مبيعاً خلال الشهرين الماضيين، في وقت يعد الباعة المتجولون أهم زبائن تجارة بيع الجملة، الذين يعدون بدورهم أكبر نقاط توزيع القناع عند إشارات المرور والمتنزهات ومقاصد تجمعات الشباب.
وكان من المفاجئ أن غالبية الباعة لا يعرفون الرمزية التي يمثلها قناع ‘فانديتا’، بل يطلقون عليه ‘الوجه الباسم أو الضاحك’ بوصفه أداة للفكاهة والترفيه، ويتعاملون معه بوصفه سلعة تجارية تدر ربحاً عليهم لارتفاع الطلب عليه، إذ إن الأقنعة تستورد غالباً من الصين وتباع بأسعار زهيدة لا تتجاوز دولاراً واحداً، في حين تبلغ تكلفة القناع الواحد بضعة سنتات أميركية.
وبالإضافة إلى الأسواق، يسجل القناع الشهير حضوره في مسلسلات موقع يوتيوب الساخرة التي يقوم عليها ممثلون من الشباب السعودي، إذ أصبحوا يستخدمون القناع في برامجهم من باب ‘السخرية وتوجيه الانتقادات’ لمظاهر وسلوكيات اجتماعية, أو احتجاجاً على سوء الخدمات الحكومية, كما يحفل الموقع بمختلف طرق صناعة ‘القناع’ منزلياً.
يذكر أن الصحافة المحلية تطرقت لقضية رواج القناع ووضعته في خانة ‘السلوكيات الخاطئة’ والتشبه بالتقليعات الغربية، واصفة إياه بأنه ظاهرة سلبية شاذة ويزرع ثقافة العنف في المجتمع, لكن دون إعطاء أي تفاصيل تاريخية عن رمزية القناع.