عودة الثوار إلى الجولان تخبّئ الكثير من الحكايات والقصص، بعضها قد يثير الحماسة، وبعضها الآخر يزيد الحقد على نظام قاتل، أحرق الحرث والنسل، ولم يبقِ من آلاف العائلات إلا طالبي الثأر، ولن يقعدهم عن ثأرهم كل تسويات الدنيا، ومحاولات إعادة إنتاج هذا النظام الذي اقترب من السقوط.
بعد تحرير أغلب قرى وتلال الريف الجنوبي لمحافظة القنيطرة، تنقلت بين تلك القرى، حيث التقيت بعض عناصر الجيش الحر الذين حدثوني عن قصص وصولهم إلى القنيطرة.
تحدثت مع أبوشادي كيف بدأ بتوزيع المنشورات في قريته بالغوطة الشرقية وكيف انضمّ للجيش الحر هناك، مع شقيقيه وكيف مثّل القتلة بطفله بعد أن عجزوا عن إلقاء القبض عليه، “بعد أن أصبحت ثورتنا مسلحة انضممت إلى الجيش الحر الموجود في الغوطة. حُوصرنا بالغوطة حتى استشهد ابني من الجوع، وقمت بعدها بإرسال زوجتي وطفلي ذي العام الواحد إلى أهلي الذين يسكنون إحدى قرى القنيطرة”.
قوات النظام التي لاحقت أبوشادي لم تستطع إلقاء القبض عليه، لكن وعلى ما يقوله استطاعت العثور على طفله الرضيع، “داهم القتلة المنزل في القنيطرة حيث توجد زوجتي وطفلي. أخذوا الصغير من حضن أمه، ورموه في إحدى برك المياه هناك أمام أعين والدته التي قبلت أقدامهم لتسلم على حياة رضيعها، ولكن قلوب الوحوش لم ترق لقلب الأم. رمت زوجتي نفسها ورائه لكن الأقرباء استطاعوا إنقاذها”.
أحد الحضور استطاع تصوير الأحداث بهاتفه الجوال، لم يصدق أبوشادي أن تلك الوحوش كانت تحكمنا بيوم من الأيام.. وصل إلى أرض الجولان، حارب كثيراً حتى استطاع تحرير القرية التي قتل فيها رضيعه.
ويتابع أبوشادي حديثه بشجن عن حصار الغوطة وكيف قاتل ورفاقه ميليشيات الغدر الطائفي: “بعد حصار الغوطة بقينا نقاتل هناك إلى أن جفّت منابع التسليح، وبعد سقوط قريتي بأيدي الميليشيات الطائفية، مشينا أكثر من خمسة أيام حتى استطعنا الوصول إلى منطقة اللجاة بين درعا والسويداء، وهناك أصبح خطر وقوعنا بيد النظام شبه معدوم، لنتنفس الصعداء بعد تلك الرحلة المريرة وملاحقة عناصر النظام وطائراته لنا”.
بعد وصول أبوشادي ومن معه (حوالي 25 مقاتلاً وسبع نساء) إلى محافظة درعا خصوصاً منطقة تل شهاب، سعى قائدهم وهو نقيب منشق إلى تشكيل لواء جديد لمقاتلة النظام ضمّ خلاله كل أبناء قريته التي خرج منها، ليتوجهوا من تل شهاب إلى القنيطرة، ويبدأوا من جديد مقاتلة النظام هناك، حيث يقول أبوشادي، وهو الآن جريح وينام بدار للاستشفاء بعد معركة تحرير التلول الحمر: “قتل النظام اثنين من إخوتي، ويتَّم خمسة من أبنائهم، ورمَّل زوجاتهم، كيف لي بعد هذا أن لا أقاتله؟ سأقاتله، وسأعلم أبنائي مقاتلته بعد موتي، هذا ثأرنا، ولن يمحى حتى نرى المشانق قد نصبت للقتلة”.