عندما تسمع قصتهما قد لا تصدقها لكن عندما تذهب لمستشفى المعادي العسكري التابع للجيش المصري والواقعة جنوب القاهرة تجد العجب العجاب.
ضابطان مصريان يرقدان في المستشفى العريق الذي يمكث فيه الرئيس الأسبق حسني مبارك ويعالجان فيه منذ 43 عاما من إصابة لحقت بهما في حرب أكتوبر ومازالا يعالجان فيه إلى الآن رغم تعرض المستشفى للتجديد 5 مرات وتوالي 5 رؤساء على حكم مصر.
اللواء حسن عبد الحميد واللواء السيد وجدي من مصابي حرب أكتوبر يحبهما كل العاملين بالمستشفى، وفي يوم 6 أكتوبر من كل عام يحتفل بعض الأقارب والأصدقاء معهما بهذا اليوم العظيم في حياتهما.
“العربية.نت” كانت معهما واستمعت منهما لحكايتهما وطوال الجلسة لم تنقطع الاتصالات للاطمئنان عليهما من قادة عسكريين، كان أبرزهم الفريق سامي عنان رئيس الأركان السابق.
يقول اللواء حسن عبد الحميد إنه يرقد في المستشفى منذ 17 أكتوبر من العام 1973 ففي هذا اليوم وكان اليوم الحادي العشر للحرب أصيب إصابة بالغة غيرت مجرى حياته، مضيفا أنه كان يخدم في كتيبة دفاع جوي في سرابيوم بالإسماعيلية، وكان يتولى توجيه الصواريخ المضادة للطائرات.
وأضاف أنه في يوم 5 أكتوبر جمع قائد الكتيبة جميع الضباط وأبلغهم بموعد الحرب وانطلقت الهتافات، وتمكن اللواء حسن خلال الأيام الأولى للحرب من تكبيد إسرائيل خسائر فادحة، حيث أسقطت كتيبته عشرات الطائرات، وهنا جن جنونها وخطط شارون لإحداث ثغرة الدفرسوار بين الجيشين الثاني والثالث، وقررت القيادة الإسرائيلية قصف جميع مواقع الدفاع الجوي في تلك المنطقة لمنع التفوق الجوي المصري ولحماية طائراتها بعد الخسائر المتوالية لهم.
وفي يوم 17 أكتوبر وتحديدا في الساعة الثالثة فجرا، كما يقول اللواء حسن، صدرت الأوامر بوقف المحطة لمدة ساعة لإراحة الأجهزة والمعدات، وخلال فترة الراحة، وجد طائرات هليكوبتر على ارتفاع منخفض جداً في منطقة الدفرسوار فتتبعها بالمراقبة واكتشف أنها تنقل جنودا وتقوم بعمل إنزال لهم في الدفرسوار، وهنا قرر أن يطلق صاروخا لتدميرها، وأعطي الأوامر لقائد سرية مدفعية الرشاشات، وفجأة تحولت المنطقة لجحيم وابتعد الهدف عن مرمى النيران ومع ذلك تمكن من تتبعه ودمر 5 طائرات هليكوبتر.
ويضيف أنه تعرض لإصابة خطيرة بعد قصف طائرة فانتوم لمقر قاعدته، وتم نقله لمستشفى المعادي، ولخطورة حالته تقرر نقله على وجه السرعة إلى فرنسا ومنها إلى بريطانيا، وعرف لأول مرة أنه لن يسير على قدميه مرة أخرى وأبلغه الأطباء صراحة أن عليه التأقلم على الحياة فوق مقعد متحرك.
عقب الحرب فوجئ اللواء حسن باتصالات هاتفية من الرئيس الراحل أنور السادات تطمئن عليه، وفوجئ بزوجة الرئيس جيهان السادات تزوره في المستشفى في فرنسا وتبلغه تحيات الرئيس، وكانت من فرط تقديرها لشجاعته وبسالته تزوره بصفة شبه دورية في فرنسا، كما كانت تداوم على زيارته باستمرار في مستشفى المعادي العسكري عقب عودته، مضيفا أن الرئيس السادات دعاه لحضور حفل زفاف ابنته نهى على نجل سيد مرعي رئيس مجلس الشعب في المعمورة بالإسكندرية، وهو الحفل الذي حضره رجل الأعمال الشهير أوناسيس واستقبله الرئيس بنفسه مع قرينته جيهان السادات على باب القصر، وعندما شاهده يرتدي قميصا صيفيا طلب الرئيس من زوجته أن تأتي له بقميص بكم طويل حتى لا يصاب بالبرد نظرا لبرودة جو الإسكندرية.
ويضيف اللواء حسن أن السيدة جيهان السادات وأسرة الرئيس الراحل كانت تهتم بحالته وحالة زميله اللواء السيد وجدي كثيرا، ومن أجلهما ومن أجل كل المصابين في العمليات الحربية، قررت عمل مشروع الوفاء والأمل في مدينة نصر لهم، حيث كانت تسعى لإقامة مدينة متكاملة تشبه مثيلاتها في أوروبا لمصابي الحرب يعيشون ويعملون فيها، وتكون مصممة لتناسب حالاتهم، كما سافرت أوروبا كثيرا لتطلع على كافة التجارب التي لجأت إليها هذه الدول للتعامل مع مصابي الحروب وكيفية عمل مدن متكاملة لهم يعيشون فيها وتناسب حالاتهم.
اللواء حسن يضحك ويقول إن له أسرة مكونة من زوجة وابن وابنه ويزورونه باستمرار في المستشفى، كما يزوره جميع أفراد أسرة الرئيس الراحل أنور السادات وابنه جمال وحفيده أنور، مضيفا أنه تأقلم على الحياة فوق مقعد متحرك ولم يستسلم لليأس، حيث طلب العمل وعمل بالفعل في شركة المقاولون العرب مع الراحل عثمان أحمد عثمان والمهندس إبراهيم محلب رئيس الشركة الأسبق ورئيس وزراء مصر فيما بعد، وساهم مع جيهان السادات في إنشاء جمعية الوفاء والأمل لمصابي الحرب، ومارس هوايته في الصيد وقاد سيارة مجهزة، ويحضر كل عام احتفالات مصر بنصر أكتوبر.
إصابة اللواء حسن عبد الحميد كانت في العمود الفقري وأدت لشلل تام في قدميه ويقول “الحمد لله أعيش أفضل أيام حياتي ولم أشعر ولو للحظة واحدة بالعجز. يكفينا أننا حققنا أهدافنا فقد استعدنا الأرض وحطمنا أسطورة العدو الذي لا يقهر وحافظنا على بلدنا، ويكفي أنني في مثل هذا اليوم وكل يوم أتلقى اتصالات الأحبة والأصدقاء ورفقاء الحرب والسلاح، وكلها تفيض مشاعر حب وود وتقدير ترفع من معنوياتنا وتنسينا أي لحظة ألم”.
اللواء السيد وجدى زميله في الحرب والذي يقيم في غرفة مجاورة له بالمستشفى ويعيش بـ4 شظايا في الرئة وحالته لم تسمح لنا بالحديث معه كثيرا لكنه قال إنه راض بقضاء الله وفخور ببطولاته.
ويضيف أنه كان ضابطا في سلاح المدرعات وأصيب بـ 13 شظية نتيجة انفجار دانة مدفعية أدت إلى قطع في النخاع الشوكي، وشلل نصفي سفلي، وتركزت 4 شظايا في الرئة لم يستطع الأطباء إخراجها، وعقب إصابته تم نقله إلى الضفة الغربية من القناة، ومنها إلى السويس ثم مستشفى المعادي، ثم سافر للعلاج في فرنسا وإنجلترا وأميركا.
ويقول إن الإصابة أدت لشلل تام في النصف السفلي والجانب الأيسر من جسده، وتستلزم حالته فحوصا طبية مستمرة، وهو ما أدى لتواجده في المسشفى طوال 43 عاما.