يعود مصطلح “الإرهاب”، إلى الواجهة مجددًا مع تشكيل ائتلاف لمحاربته في سوريا والعراق بقيادة أمريكية، إلا أن الكلمة تحمل معان مختلفة بحسب مستخدميها، وبحسب الدولة التي تنطلق منها.
ويقول الخبير السابق في وكالة الاستخبارات الأمريكية (سي آي ايه) مارك ساجمان، واضع كتب عدة عن موضوع الإرهاب، لوكالة فرانس برس، إن الكلمة “تستخدم على نطاق واسع إلى درجة أنها باتت اليوم ترمز إلى (العدو)” .
ويضيف كلٌّ يرى الأمور من وجهة نظره: ما يعتبره أحدهم مقاتلاً من أجل الحرية يصنفه الآخر إرهابيًا، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية.
في هذا الإطار، تعتبر دمشق أنه يجب أن تكون جزءًا من الجهود الدولية لمواجهة المقاتلين الإسلاميين المتطرفين، لأنها “ضحية الإرهاب منذ أربع سنوات”، تاريخ بدء الانتفاضة السلمية ضد نظام الرئيس بشار الأسد التي تم قمعها بالقوة، قبل أن تتحول إلى نزاع عسكري دائم.
ولا تقر دمشق بوجود معارضة ضدها، بل تصنف كل الفصائل المقاتلة المعارضة على أنها “مجموعات إرهابية” سواء المعتدلة منها أم المتطرفة.
وسبق لوزير الخارجية وليد المعلم، أن أعلن في مؤتمر صحفي أن “كل من حمل السلاح ضد الدولة هو إرهابي”.
في المقابل، تتهم المعارضة السورية نظام الرئيس بشار الأسد بأنه “نظام إرهابي”، مشيرة إلى أنه يمارس كل أنواع القتل والقمع، ويقف وراء نشأة التنظيمات المتطرفة في سوريا بعد أن أخرج قيادييها من السجون.
وتحارب المعارضة المسلحة تنظيم “الدولة الإسلامية” الذي تعتبره بدورها “إرهابيا”، لكنها تقاتل النظام جنبًا إلى جنب مع “جبهة النصرة” المتطرفة.
وأوضح وزير الخارجية الأمريكي جون كيري أخيرًا أن بلاده لا تشن حربًا على تنظيم “الدولة الإسلامية” فحسب، بل تقوم “بعمل واسع ضد الإرهاب”.
وتحدث الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند خلال المؤتمر الذي عقد في باريس الاثنين من أجل التنسيق في “مكافحة الإرهاب”، عن “تهديد إرهابي كبير” يمثله تنظيم “داعش”، مشددًا على وجوب دعم “الجهات القادرة على التفاوض والقيام بالتسويات الضرورية حفاظاً على مستقبل سوريا”، محددًا هذه القوى بـ”المعارضة الديمقراطية”.
في طهران التي لا تشكل جزءًا من الائتلاف الغربي ضد الإرهاب، اعتبر نائب وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان أن “الطريقة الفضلى” لمكافحة الإرهاب تكمن في مساندة الحكومتين العراقية والسورية اللتين تحاربان الإرهاب.
إلا أن واشنطن ترفض حتى مجرد التنسيق مع دمشق في الموضوع، معتبرة أن نظام الأسد “فاقد للشرعية”.
وتقول الأستاذة المحاضرة سارة مارسدن، من مركز هاندا لدراسة الإرهاب التابع لجامعة سانت أندروز في أسكتلندا، إن كلمة إرهاب لم تعد كلمة موضوعية. وأن الأمم المتحدة أمضت عشرات السنين من أجل محاولة التوصل إلى تحديد يدل على الطبيعة المثيرة للجدل لمفهوم الإرهاب. ومنذ 1972، تحاول الأمم المتحدة إيجاد تحديد للكلمة من دون أن تنجح في ذلك.
وقد اعتمدت 13 معاهدة لمكافحة الإرهاب منذ 1996 من دون أن تتوصل إلى معاهدة شاملة بسبب الخلافات حول المسألة.
وولدت كلمة “الإرهاب” في فرنسا في 1790 في فترة الثورة الفرنسية، وكانت تطلق على ماكسيميليان روبسبيار الذي كان يرسل أعداءه إلى المقصلة. ولطالما كانت تحمل في طياتها معنى سلبيًا.
وحدها مجموعة الفوضويين التي اغتالت القيصر الروسي الكسندر الثاني في 1881 قدمت نفسها بفخر على أنها “إرهابية”. وبقي استخدام الكلمة محصورًا على نطاق ضيق على مدى عقود طويلة من الزمن.
ودخلت كلمة “إرهاب” في القاموس الصحفي الفرنسي خلال معركة الجزائر في 1957. وبعدها صارت تستخدم للإشارة إلى منظمة الجيش السري المؤيد لأن تكون الجزائر أرضًا فرنسية.
وتقول سارة مارسدن، إن كلمة إرهابي فرضت نفسها على نطاق دولي بعد اعتداءات 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة. بعد ذلك، استخدمها رجال السياسة بشكل مكثف، وباتت كلمة عامة تستخدم للدلالة على الأعداء مهما كانوا. على الأثر، استخدمت العبارة في أفغانستان للحديث عن “حركة طالبان” و”تنظيم القاعدة”.
واستخدمتها حكومة كييف للإشارة إلى الانفصاليين الأوكرانيين. كما تستخدمها إسرائيل على نطاق واسع للدلالة إلى “حركة حماس” وفصائل فلسطينية أخرى. في مارس 2014، وضعت المملكة العربية السعودية أول لائحة لمنظمات إرهابية أدرجت ضمنها حركة الإخوان المسلمين وحزب الله في السعودية وتنظيم القاعدة وفروعه في جزيرة العرب واليمن والعراق والدولة الإسلامية في العراق والشام وجبهة النصرة والحوثيين في اليمن.
وشهدت السعودية بين 2003 و2006 موجة من أعمال العنف ارتكبها تنظيم القاعدة وكانت السعودية تشير إليه حينها بـ”الفئة الضالة”. ويرى أستاذ القانون جينس ديفيد أولين، من معهد كورنويل للقانون في ولاية نيويورك، أن من مصلحة زعماء العالم التوصل إلى تحديد واضح ومشترك لكلمة “إرهاب”.
ويقول “يفترض أن تتنبه الولايات المتحدة إلى عدم تحديد النزاع الحالي على أنه ضد الإسلام أو حتى ضد الإسلام الراديكالي. لأن هذا من شأنه أن يثير تحفظ الكثيرين في العالم. ومن الأفضل تحديد العدو بالاسم مثل القاعدة أو الدولة الإسلامية”.