هو أول فنان مصري تنعاه المخابرات العامة ولهذا كان السؤال بارزاً.. لماذا؟ ولماذا هو دون غيره حتى الآن؟
قبل الدخول في التفاصيل والأسباب التي يكشفها مسؤول سابق بالجهاز لـ”العربية.نت” فإن النعي الذي نشرته المخابرات في صحيفة “الأهرام” الرسمية أمس للفنان محمود عبدالعزيز قدم جانباً من الأسباب وهي أن الفنان الراحل جسد بصدق وإخلاص وقدرة عظيمة بطولات أبناء الوطن.
رسالة ودلالة
اللواء محسن النعماني وكيل الجهاز السابق يؤكد لـ”العربية.نت” أن الفنان الراحل يستحق أن تنعاه كافة أجهزة الدولة وليس المخابرات وحدها، لكن نعي المخابرات له رسالة ودلالة وهي أن الفنان الراحل خدم بلده بإخلاص وتجرد، وقدم نموذجاً يحتذى للفنان الأصيل الذي عبر من خلال أداء تمثيلي بارع بطولة واحد من أشجع أبناء الوطن وهو “رفعت علي سليمان الجمال”، الذي تم زرعه داخل إسرائيل، مضيفاً أن الفنان الراحل عقد عدة جلسات مع ضباط جهاز المخابرات خلال التحضير للعمل للإعداد للشخصية والتمهيد لها، وأبهر ضباط الجهاز كما أبهر المشاهدين بعد ذلك بإجادته للشخصية وتقمصه المتقن لها.
وأضاف أن محمود عبد العزيز ومن خلال جلساته مع ضباط الجهاز والأديب الراحل كاتب السيناريو والحوار صالح مرسي قبل تصوير المسلسل كان يجسد كل يوم مدى حبه للوطن ورغبته في تقديم بطولات أبناء مصر الذين يعملون في الظل وفي صمت دون ضجيج، لذا أحبه الجميع وأحب هو شخصية رفعت الجمال، وكانت النتيجة أن قدم مسلسلاً رائعاً وملحمة درامية ما زالت راسخة في أذهان الجماهير العربية وليس المصرية فقط.
ويشير وكيل الجهاز السابق إلى أن محمود عبدالعزيز قدم أيضاً شخصية ضابط المخابرات في فيلم “إعدام ميت”، وأبرز من خلاله بطولات أبناء الجهاز وتضحياتهم ولذلك كان طبيعياً أن تنعاه المخابرات المصرية.
“رأفت الهجان” علق في نفوس المصريين
يتفق معه في الأمر اللواء محي نوح، القائد السابق في المجموعة “39 قتال”، ويؤكد أن مسلسل رأفت الهجان الذي قام ببطولته محمود عبدالعزيز علق بأذهان الجماهير وزرع في نفوس المصريين الثقة في جهاز المخابرات العامة، كما كان أداء عبدالعزيز في المسلسل مؤججاً للشعور الوطني وكافياً لكي يعلم الجميع بطولات رجال عملوا في صمت وكادوا يتعرضون للمهالك من أجل وطنهم، ويكفي مشهداً واحداً في المسلسل للدلالة على ذلك وهو المشهد الذي علم فيه “رأفت الهجان” بخبر وفاة الرئيس جمال عبد الناصر، حيث آثر أن يظهر فرحته وسعادته بالخبر أمام ضيوفه الإسرائيليين الذين أبلغوه به، رغم تألمه من داخله، وعندما عاد للمنزل عبر عن حزنه الشديد كمصري بالبكاء وحيداً وبحرقة كأنه فقد والده، مؤكداً أن عبدالعزيز ومن خلال هذا المسلسل أثلج صدور المصريين ببطولات جهازهم الوطني وعزز من الانتماء لدى أجيال جديدة كانت لا تعلم إلا القليل عن المخابرات وبطولاتها.
“العربية.نت” سألت عن حقيقة أن هناك فنانين آخرين قدموا أعمالاً للمخابرات ولم تنعهم المخابرات كما فعلت مع عبدالعزيز، مثل الفنان نور الشريف الذي قام ببطولة مسلسل “الثعلب”.. ويجيب اللواء نوح قائلاً إن مسلسل نور الشريف لم يعلق بذاكرة الجماهير المصرية والعربية مثل “رأفت الهجان” ولم ترتبط الجماهير بمسلسل مثلما ارتبطت بـ”رأفت الهجان”.
ويضيف أن الدليل على ذلك أن شوارع مصر لم تكن تخلو من المارة إلا في حالتين فقط الأولى عندما كان جمال عبدالناصر يلقي إحدى خطبه، والثانية عندما كانت أم كلثوم تشدو في سهرة الخميس الأول من كل شهر، وجاء مسلسل “رأفت الهجان” ليكون الحالة الثالثة التي كانت تخلو فيها شوارع مصر من المارة عندما يحين وقت عرض المسلسل.
من أين كانت البداية؟
ويقول إن قصة “رفعت الجمال” ظهرت أول مرة للوجود كرواية حملت اسم “رأفت الهجان” في 3 يناير 1986 في العدد رقم 3195 من مجلة “المصور” المصرية من تأليف الكاتب صالح مرسي وتعلق القراء بها ولذلك جاءت فكرة تجسيدها درامياً لتقديم العمل للملايين.
صالح مرسي مؤلف الرواية وكاتب سيناريو وحوار المسلسل يكشف تفاصيل العمل ويقول في حوار له في 4 فبراير عام 1987 إنه قرر أن يتوقف عن كتابة أدب الجاسوسية حتى قرأ ملخصاً لعملية من عمليات المخابرات، ووجد نفسه مشدوداً لها حتى النهاية، وهنا عاودته الرغبة في الكتابة والتأليف وقرر أن يلتقي مع اللواء عبدالمحسن فايق، أحد الضباط الذين جندوا “الهجان” وكان اسمه في المسلسل “محسن ممتاز”، لكنه كان قليل الحديث والإفصاح عن المعلومات، لذا لجأ مرسي لعبد العزيز الطودي والذي كان معروفاً في المسلسل باسم “عزيز الجبالي”، “وقام الأخير بكتابة التفاصيل في 208 ورقات”.
بقي اختيار الأبطال الذين يجسدون الشخصيات، فقد رشح لدور “رأفت الهجان” الفنان عادل إمام ولدور محسن ممتاز الفنان محمود ياسين، لكن البعض أكد وقتها لوسائل الإعلام المصرية أن دور “رأفت الهجان” أصبح من نصيب محمود عبدالعزيز الذي تلقى تكليفاً عاجلاً بالذهاب لمبنى المخابرات للاستعداد والتمهيد لأداء شخصية “رأفت الهجان”.
عادل إمام أم محمود عبدالعزيز؟
اختيار محمود عبدالعزيز للبطولة كان سبباً في أزمة كبيرة بينه وبين الفنان عادل إمام، وحدث أن عبدالعزيز قد حصل على الدور بالفعل، لكن الصحف المصرية نشرت وقتها خبراً يؤكد أن الدور ذهب لعادل إمام، وهنا يروي الفنان أحمد شاكر في مقابلة له مع فضائية “سي بي سي” القصة كاملة.
يقول شاكر إنه يقيم بنفس العمارة التي يسكن بها الفنان الراحل وإن محمود عبدالعزيز روى له قصة المسلسل، حيث علم الفنان الراحل أن دور “رأفت الهجان” سحب منه لصالح الفنان عادل إمام وقرر أن يلتزم الصمت ويترك الأمر كله لله خاصة أن الدور كان مناسباً له بسبب “طبيعة الملامح الشخصية” للبطل فهو وسيم وملامح وجهه تناسب المهاجرين لمصر ويجيد التحدث بعدة لغات، وهذا لا ينطبق على عادل إمام.
ويضيف شاكر أن الفنان الراحل قال له إنه استسلم للأمر وسافر مع أولاده لتأدية العمرة، وكان الرئيس مبارك يزور السعودية وقتها وشاهد محمود عبدالعزيز في صفوف المستقبلين فتحدث معه وأبلغه بما حدث له في مصر، فقال له مبارك نصاً: “لا تغضب وأنت من سيؤدي الدور”، وفور عودته تلقى اتصالاً هاتفياً من جهاز المخابرات بالذهاب لمقر الجهاز لبدء الاستعداد للعمل وخرج العمل للنور وببطولة الفنان الراحل.
يذكر أن مسلسل “رأفت الهجان” يتكون من ثلاثة أجزاء وعرض الجزء الأول منه في عام 1987.