تردد اسم السياسية الأميركية المسلمة ذات الأصول الهندية، هوما عابدين، والتي تشير بعض الروايات إلى اسم آخر لها قبل تبني الأخير وهو مها عابدين، منذ بدء الحملات الانتخابية للمرشحة الرئاسية هيلاري كلينتون التي قد تكون هوما السبب الرئيسي في إخفاق هيلاري للوصول إلى البيت الأبيض، على خلفية التحقيق باستخدام المرشحة بريداً إلكترونياً خاصاً في مراسلات رسمية أثناء توليها منصب وزيرة الخارجية.
وكان مكتب التحقيقات الـ”إف بي آي” أعاد فتح ملف قضية البريد الإلكتروني، حيث عُثر على آلاف الرسائل في جهاز حاسوب يعود لمساعدة كلينتون والعضو في فريقها في وزارة الخارجية هوما عابدين، وزوجها أنتوني وينر (التي افترقت عنه منذ آب/أغسطس الماضي) في سياق تحقيق حول قضية رسائل فضائحية وذات “مضمون جنسي” وجهها وينر إلى قاصر، من البريد الخاص لهيلاري بعد حصوله على الشيفرة الخاصة له من قبل هوما.
المفارقة أن “هوما” أو “مها” سيدة ذات مواصفات ليبرالية ليس على مستوى اللبس والمظهر فقط، وإنما على مستوى الزيجة، بارتباطها من وينر، وهو أميركي يهودي ليبرالي، الذي كان السبب الحقيقي لمشكلة استخدام البريد الإلكتروني.
الأصول الإسلامية
هوما ليست مجرد أميركية من أصول هندية مسلمة، بل تنتمي لعائلة ذات أصول إسلامية حركية، حيث إن والدها سيد زينول عابدين – مؤسس مركز شؤون الأقليات المسلمة في بريطانيا، ورئيس تحرير مجلة الأقليات المسلمة التي شاركت هوما نفسها بالكتابة فيها قبل دخولها إلى البيت الأبيض – تأثر في الخمسينيات بأفكار أبو الأعلى المودودي ومن ثم بأبي الحسن الندوي، أسماء ذات ارتباط وثيق بسيد قطب صاحب فكرة “الحاكمية” والتي يتبنى عقيدتها تنظيم “داعش”.
ولكن من تكون صالحة محمود عابدين، والدة مستشارة المرشحة الرئاسية السابقة هيلاري كلينتون؟
صالحة محمود عابدين، حاصلة على درجة الدكتوراه في علم الاجتماع، وهي عضو في المجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة، ومقره القاهرة بمصر، اللجنة العالمية للدعوة والإغاثة التابعة لاتحاد علماء المسلمين، خلال رئاسة الدكتور يوسف القرضاوي للمجلس، وتتولى حالياً رئاسة تحرير مجلة شؤون الأقليات المسلمة في بريطانيا، واهتمت بقضية تطبيق الشريعة كما برز من خلال كتابها ورسالتها للدكتوراه: “المرأة في الإسلام حقوقها وواجباتها” الصادر عام 1999، في مصر عن اللجنة العالمية لشؤون المرأة والطفل التابعة لاتحاد علماء المسلمين.
تتولى حاليا صالحة عابدين مهمة النائبة لعميدة كلية دار الحكمة والتي تحولت مؤخراً إلى جامعة. تشهد أجواء الكلية تعاطفاً مع ثقافة الإخوان وبالأخص إبان ما يسمى “الربيع العربي”، وبحسب رصد “العربية.نت” لأنشطة هذه الكلية، برز احتفاؤها بالربيع من منظور إخواني، تزامن ذلك مع زيارات متكررة لعدد من الساسة الغربيين إلى مقر الجامعة، ومن مظاهر هذا الأمر.
البداية.. صورة
البدء، كان مع الصورة التي جمعت كلاً من صالحة (والدة هوما)، وهيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأميركية حينها، وإلى جوارهما سهير قرشي عميدة الكلية، خلال زيارة هيلاري إلى كلية دار الحكمة في شباط/فبراير 2010، وإلقائها كلمة أمام طالبات الكلية، تحدثت خلالها في الشأن السياسي، وعن العلاقات الأميركية – الإيرانية.
دور الإدارة الأوبامية –الهيلارية مع ربيع الطالبات لم ينته عند التقاط صورة، وإنما استثمرت الأم صالحة تواجد ابنتها في البيت الأبيض الرئاسي، لتمهد الطريق أمام طالباتها أيضاً، وذلك بحضور 4 طالبات سعوديات من الكلية لقمة أوباما للأعمال عن المشاريع في واشنطن، في يونيو 2010.
استجاب الداعية سلمان العودة في 2011 لدعوة كلية دار الحكمة ألقى خلالها محاضرة بعنوان “العمل التطوعي” من ضمن ما جاء فيها أن “فرق عمل تطوعي تواصل الشباب عبر مواقع التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر وإنشاء المجاميع والفرق الطوعية الجاهزة وتحويل هذا الجهد إلى فرق عمل طوعية”، داعياً الطلاب والطالبات إلى: “تحمل العواقب والأذى ففي بعض المجتمعات لا يتم تكريم هذا العمل وقد يصل إلى النقد الشديد والعتب”.
اللافت في عنوان محاضرة العودة هو ما عرف عن جماعات الإسلام الحركي من الاهتمام بما يسمى العمل التطوعي المجتمعي لصالح أفكار هذه التيارات، والتي تعد وسيلة مثلى لاختراق المجتمع والحشد والتحايل على العمل السياسي، وبالأخص بالتركيز على مجاميع الطلاب والشباب باعتبارها القاعدة المركزية للنشاط الإسلامي الحركي، بحكم قلة التجربة وحماسة الشباب.
مع “الربيع العربي”
توالت الأنشطة في 2011 وهو بداية عاصفة “الربيع العربي”، كان منها عقد مؤتمر للطفل من قبل إحدى المؤسسات الخاصة التابعة لجامعة دار الحكمة، وعلى مسرحها وذلك في كانون الأول/ديسمبر 2011. أما برنامج المؤتمر فكان، بحسب ما نشرته المؤسسة ذاتها حينها، استقبال الطلبات من الأطفال ومن ثم توجيههم بتقديم أبحاث بمجالات تحت عناوين أبرزها “قدم كل متسابق بحوثاً مذهلة في السياسة والبطالة والربيع العربي والفقر والسجن بلا ذنب بعد إعطائهم دورات في البحث العلمي وفن الإلقاء، ثم تمت مناقشتهم منفردين”.
احتفالية الربيع العربي تجسدت في مؤتمر “عزتي إسلامي” الرابع، الذي نظمه وأعده “شبابي متكامل” و”منظمة العزة الشبابية التابعة” لكلية دار الحكمة في أيار/مايو 2011. وبحسب الدعاية الترويجية للمؤتمر – التي لا يزال يحتفظ موقع “يوتيوب” بها – فيناقش الخطوة الأكبر في طريق “النهضة” بصنع قيادات شبابية مؤثرة واستقطاب آخرين ومناقشة المشاريع التي يحتاجها العالم الإسلامي، بحضور ما يقارب 5 آلاف فتاة.
ومن بين المشاركين كان علي بن حمزة العمري، رئيس منظمة فور شباب العالمية وصاحب قناة فور شباب المتعاطف مع جماعة الإخوان المسلمين، والكويتية هيا الشطي المشاركة ضمن قافلة الحرية لكسر الحصار عن غزة.
كما أن من بين عناوين أنشطة مؤتمر “عزتي الرابع” محاضرة بعنوان “التغيير” ملخصة بعدة نقاط منها: الفكرة، وعمق التأثير والانتشار، وإعداد الفريق المؤمن القوي، والتنفيذ وإعلان المشروع.
مشروع “عزتي”
يضم مشروع “عزتي إسلامي” الذي انطلق منذ عدة سنوات 200 عضوة. ووضعت لبناته الأولى من قبل الطالبتين في الكلية مديحة خطاب وليلى النهدي، ووفقاً لما جاء في كلمة مديحة خلال أحد المنتديات بمدينة جدة في نيسان/أبريل 2011، كان من ضمن الداعمين والملهمين في مشوارهما كل من سلمان العودة والكويتي طارق السويدان الذي صرح علناً أنه عضو في جماعة الإخوان المسلمين ومنتمٍ لها، لتكمل الطالبة احتفاءها بإنشاء فروع للمشروع في الكويت والبحرين وجدة، (ولمن يستمع إلى حديث مديحة خطاب عبر المقطع المنتشر في يوتيوب يلاحظ عملية بتر لأسماء بعض الدول الأخرى من خلال المونتاج).
عودة إلى الناشطة ليلى النهدي، إحدى طالبات كلية دار الحكمة، والمتخصصة في مجال نظم المعلومات، فهي قد فازت برئاسة مجلس طالبات الكلية بالانتخاب 2007، والتي تصف نفسها بالناشطة الاجتماعية، ظهرت في ملتقى “النهضة” بقطر، الذي رعاه وباركه سلمان العودة. تحدثت خلال الملتقى عن مشروعها ضمن مشاريع استنهاض الشباب، وقالت – بحسب ما ذكرته في مداخلة لها تقترح فيها مع مجموعة فتيات وشباب “أخذنا في مشروعنا سجناء الرأي في السعودية، القضية التي أثيرت من أسبوع (..) استخدم الشباب آراء محامين عملوا حساباً باسم أحد المعتقلين واستخدموا أهالي المعتقلين في فيلم”، وقد ثبت لاحقاً أن من يسمون “معتقلي الرأي” هم أعضاء في جمعيات بعضها على ارتباط بتمويل أنشطة إرهابية مثل الطبيب سعود مختار وبعضها مرتبط بتنظيمات سياسية مشبوهة.
أما في ملتقى تركيا “أكاديمية إعداد القادة” في 2012 والذي يقوم عليه الكويتي طارق السويدان ذهبت النهدي إلى مشروع آخر وهو كما ذكرت: “مشروعنا منظمة الجيش الإسلامي يكون هذا الجيش أو المنظمة في قلب العالم الإسلامي، وكذلك فروع ثانوية في الحدود تقوم المنظمة على سرية كاملة ووجود فريق استخبارات قوي يحافظ على هيبتها”.
وفي تغريدة لها عبر حسابها على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” في آذار/مارس 2011، قالت: “عدنا للبلاد بعد منتدى الجزيرة السادس (العالم العربي والتغيير: هل وصل المستقبل؟)، بحضور نخبة من الثوار الشباب ولم يكفوا عن سؤالهم لنا متى دوركم؟”.
“العربية.نت” في دار الحكمة
وفي زيارة خاصة لـ”العربية.نت” إلى جامعة دار الحكمة، كان جديراً بالملاحظة غياب أية مظاهر للتشدد بالزي بين طالباتها حيث لا تعتمد معايير موحدة بالزي الجامعي أسوة بباقي الجامعات الحكومية التي تحظر ارتداء البنطال إلى جانب التقيد بألوان محددة تأخذ الطابع الرسمي، فكن يرتدين الملابس على الموضة العصرية، ما يذكر بأناقة هوما العصرية.
وفي جولة بمكتبة الجامعة، كانت سيطرة الكتب باللغة الإنجليزية على مجموعة ما هو متوفر من دراسات علمية وبحوث أكاديمية، وإنتاج أدبي، إلا أنه وفي القسم المحدد للكتب والمراجع العربية، وقعنا على كتابين الأول كتاب بعنوان “نجم الدعاة حسن البنا”، والكتاب الثاني لزينب الغزالي “أيام من حياتي” وهي مؤسسة الاتحاد النسائي الذي انضم لاحقاً إلى جماعة الإخوان المسلمين وتعيينها من قبل البنا نفسه رئيسة لقسم الأخوات المسلمات في الجماعة، ما قد يطرح لدى البعض تساؤلاً حول التباين بين المظهر الذي تخرج به الجامعة من خلال عصرنة طالباتها سواء أكان على صعيد ما توفره من برامج وأقسام علمية وأدبية وبين التركيز على تعليم اللغة الإنجليزية في مناهجها وربط الجامعة بعدد من الشراكات العلمية مع جامعات غربية تلتحق به طالبتها بمنح خاصة، وبين المضمون الخاص الذي يأخذ طابع الإسلام السياسي في عدد من فعالياتها.
ولا يزال البعض يرى ارتباط إدارة الرئيس باراك أوباما وهيلاري كلينتون بجماعات الإسلام الحركي فكرة عجائبية تستدعي الطرفة لدى معترضيها، إلا أن فريقاً آخر يجد فيها حقيقة مبررة بعدد من الشواهد والقرائن التي لا تزال تنكشف فصولها منذ فكرة “الربيع العربي”، من بين ذلك ما ذكره الكاتب الإيراني أمير طاهري في مقال له بصحيفة الشرق الأوسط عن علاقة هيلاري مع الإخوان.
قال طاهري: “أما السيدة هيلاري كلينتون، فعلى النقيض من ذلك، فلديها بالفعل سجلها المعروف، فقد دعمت وأيدت تنظيم الإخوان المسلمين في مصر قبل أن يتخذ أوباما قراره بالتخلي عنهم”.
ويبدو أن صفحات كثيرة مما سمي (موسم الربيع) ما زالت تعد بالمزيد من المعلومات والمعطيات الجديدة في وقت شهد التشجيع على “التغيير” والتغني بـ”النهضة”، كما كان شعار الرئيس الإخواني محمد مرسي وعنوان الملتقيات الشبابية بالكويت وغيرها.