مختصر: في المملكة المتحدة تقاليد وأعراف دقيقة، خاصّة لدى العائلة التي تمتلك بروتوكول صارماً، من الصعب تجاوزه، كذلك أسراراً، نادراً ما يكشف عنها إلى العلن. من بين هذه الأمور الغامضة، خمس زهرات تزين ثوب الملكة في هذا الشهر من كل عام. زهرات من الخشخاش حمراء اللّون على ما يبدو أن لها دلالات على الأمجاد الغابرة التي عاشتها هذه المملكة العتيدة!
في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني من كل عام، يستوقف الزائر للعاصمة البريطانية لندن منظر الزهور الحمراء الرقيقة المعلقة في عروة سترات وقبعات الرجال أو ثياب النساء والتي لا تقتصر على أحد، سواء كان أرستقراطياً أو بائع جرائد، حيث يتوحد الجميع في تعزيز هذا التقليد السنوي الذي يستذكر ضحايا الحروب.
وعادة ما يتزين أفراد العائلة المالكة البريطانية بزهرة خشخاش حمراء واحدة خلال هذا الشهر، تكريماً لمن سقطوا في ساحات الحروب، ولكن الملكة إليزابيث الثانية لا تكتفي بزهرة واحدة وتفضل اختيار خمس زهرات تتزين بها تعلقها في عروة معطفها. قصر«باكنجهام» لم يصدرأي توضيح بهذا الشأن، ولم يجب على التساؤلات، ولكن بعض وسائل الإعلام تعتقد أن السبب يعود إلى رغبة الملكة في الاحتفاء بكل من قدم خدمة إلى بلده في زمن الحرب، وهم خمسة: الجيش، البحرية، سلاح الجو الملكي البريطاني، الدفاع المدني والمرأة.
الدوقة ميدلتون تحتفي بجدتها
أما زوجة حفيدها الدوقة «كيت ميدلتون» فقد كسرت القاعدة هي الأخرى في هذا العام، واختارت ألا تتزين بزهرة حمراء، أسوة ببقية الناس وظهرت ببروش من نوع The Codebreakers Brooch، وهو أكسسوار أنيق يباع عبر المواقع الإلكترونية بسعر لا يتجاوز 30 جنيهاً إسترلينياً، وبتصميم مستوحى من حركة الماكينات التي استخدمها العلماء البريطانيون في فك عدد كبير من شفرات ورسائل العدو خلال الحرب العالمية الثانية.
صحيفة Daily Mail علقت بأن اختيار الدوقة لهذا البروش، يعود إلى أسباب شخصية تتعلق بجدتها وشقيقة جدتها اللتين اشتغلتا في مجال فك رموز رسائل العدو أثناء الحرب، وكانتا تعملان خلف الكواليس مع ثلاثة عشر ألف رجل وامرأة عملوا على مساندة الجيش في ذلك الزمان. وقد سبق أن زارت الدوقة ميدلتون المكان الذي كانت تدور فيه عجلة مكائن فك الشفرات، وأشارت إلى أن جدتها لم تتطرق للحديث مع أحفادها عن هذا الأمر، لأنها كانت قد أقسمت على السرية التامة في العمل، وبقيت محافظة على قسمها.
هكذا تحولت الزهرة إلى رمز وأيقونة
يعود اختيار زهور الخشخاش كرمز للتعاطف مع ضحايا الحروب، إلى كونها زهور رقيقة تنمو وتتوهج تحت أشعة الشمس، ولكنها سرعان ما تشحب وتذبل، وهي تشبه بذلك حياة الفتيان اليافعين الذين شاركوا في الحروب. جرى استخدام هذا الرمز لأول مرة من قبل طبيب كندي مُجنّد، شارك في الحرب العالمية الأولى وكتب قصيدة تحت عنوان «في حقول فلاندرز» أشار فيها إلى الجنود الصرعى في أحد الحقول الفرنسية التي تحمل اسم «فلاندرز» وشبهّهم بهذه الزهور، وبسرعة تناقل الجنود هذه القصيدة وصارت أغنية يترنمون بها.
وبعد حوالي سنتين من انتهاء الحرب العالمية الأولى، وضعت إحدى العاملات في مطعم نيويوركي، زهرة خشخاش في عروة قميصها في ذكرى انتهاء الحرب، وتبعتها بعض النسوة الأخريات، ثم قامت إحدى النساء الفرنسيات بصنع زهور يدوية كانت تبيعها للناس، وتجمع التبرعات لصالح الأطفال في المدن الفرنسية المتضررة من الحرب، فبدأ هذا التقليد بالانتشار تدريجياً، في أوروبا وأستراليا، كما تحولت القصيدة إلى ما يشبه النشيد الوطني في كندا.