بزعم محاولة الحد من حالات الطلاق المتزايدة بالبلاد، أطلق محام مصري مبادرة حملت اسم “زواج التجربة”، التي بموجبها يتم تحديد شروط الزوجين لشكل الحياة بينهما في عقد مدني محدد بمدة زمنية ولا يمكن أن يقع الانفصال بين الشريكين قبل تلك المدة.
وأثارت تلك المبادرة التي أطلقها مدير مركز القاهرة للدراسات القانونية الدكتور أحمد مهران، جدلا مجتمعيا واسعا امتد إلى تعليق حاسم من جانب أكبر مؤسستين دينيتين في البلاد، وهما دار الإفتاء والأزهر الشريف.
ووفق الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء -جهة رسمية- وقعت في مصر 225 ألف حالة طلاق عام 2019 مقابل 201 ألف حالة في 2018، بمعدل حالة طلاق واحدة كل دقيقتين و20 ثانية، في حين بلغت عقود الزواج في عام 2019 نحو 927 ألف عقد زواج مقابل 870 ألفا في 2018.
منبت الفكرة
بعد 3 أعوام على زواجها لجأت إحدى الزوجات إلى أحمد مهران من أجل رفع دعوى طلب الطلاق من زوجها، لكن المحامي بدلا من أن يتخذ الإجراءات القانونية اللازمة في هذه الحالة اتصل بالزوج وعرض عليه حل الخلاف عبر إبرام عقد اتفاق يقضي بمشاركة الزواج وفق مدة زمنية محددة على ألا تقل عن 3 سنوات.
وقال مهران -في تصريحات متلفزة- إنه اقترح على الزوجين تدوين مطالبهما في عقد حمل عنوانه “عقد اتفاق على مشاركة الزواج”، وهو ما روّج له إعلاميا بعد ذلك بـ”زواج التجربة”، ووصفه بالأنسب لهذه المرحلة التي تتزايد فيها حالات الطلاق.
واستمد مدير مركز القاهرة للدراسات القانونية تلك الفكرة من نظام “قائمة المنقولات الزوجية”، وهي عبارة عن عقد قانوني ملحق بعقد الزواج يوثق ملكية كلا الشريكين لتجهيزات منزل الزوجية، ويوقع الزوج على إقرار ملزم برد كل قائمة المنقولات حال الانفصال.
ودافع مهران عن فكرته، مؤكدا أن عقد اتفاق مشاركة الزواج مجرد عقد مدني ملحق بوثيقة الزواج، وليس له علاقة بوثيقة الزواج، “فقط يكمل الشروط بين الزوجين التي اتفقوا عليها حتى يحافظوا على البيت ولا يختلفا ويتطلقا.. فالزواج نفسه غير مؤقت لكن العقد المدني مؤقت لمدة 3 سنوات أو أكثر”، حسب قوله.
واستطرد “الغرض من تحديد مدة للعقد المرفق بالزواج هو تقييد الزوجين للعيش سويا لمدة معينة على الأقل 3 سنوات، فعندما يعلم كل طرف أن هناك عقدا وقع عليه يفكر ألف مرة قبل خطوة الطلاق”.
وعن اسم زواج التجربة، قال إنه اختار اسما ملفتا كنوع من التسويق الإعلامي لجذب الانتباه لفكرة جديدة، مؤكدا أنه أتم نحو 220 عقدا من هذا النوع مؤخرا.
باطل شرعا
ومع انتشار الحديث عن مبادرة مهران، سارع مركز الأزهر العالمي للفتوى باصدار بيان اعتبر فيه زواج التجربة اشتراطا فاسدا لا عبرة به، مشددا على أن اشتراط انتهاء عقد الزواج بانتهاء مُدة معينة يجعل العقد باطلا ومحرما.
وعلّق الأزهر على صورة عقد زواج المشاركة، قائلا في بيانه “تتنافى مع دعائم منظومة الزواج في الإسلام، وتتصادم مع أحكامه ومقاصده، إضافةً إلى ما فيها من امتهان للمرأة”.
في حين تريثت دار الإفتاء المصرية في حكمها على هذا النوع من الزواج، إذ قيّدت الأمر للبحث والدراسة، ثم بعد ذلك أصدرت بيانا لا يختلف فحواه عن نظيره الصادر من الأزهر.
وأكدت الإفتاء أن زواج التجربة يحمل معاني سلبية دخيلة على قيم المجتمع المصري المتدين، الذي يأبى ما يخالف الشرع أو القيم الاجتماعية، موضحة أن اشتراط منع الزوج من حقه في طلاق زوجته خلال فترة معينة بعد الزواج، هو من الشروط الباطلة؛ لأن فيه إسقاطًا لحق أصيل للزوج جعله الشرع له، وهو حق التطليق.
وعلى ذلك، ووفق دار الإفتاء، فاشتراط هذا الشرط إن كان قبل عقد الزواج فلا محل له، وإن كان بعده فهو شرط باطل، فيصح العقد ويبطل الشرط.
نقد وسخرية
أثارت فكرة زواج التجربة جدلا واسعا على منصات التواصل الاجتماعي، حيث جاءت التعليقات تحمل الانتقاد والسخرية.
إذ علّق ياسر شوقي عبر حسابه على موقع فيسبوك قائلا “هذا نوع جديد سيتم استغلاله في القريب كنوع من أنواع التحايل على الشرع مثل زواج المتعة والزواج العرفي بقصد الزنا والدعارة المرخصة”.
في حين انتقد عضو مجلس الشورى عن حزب النور السلفي صلاح عبد المعبود زواج التجربة عبر تغريدة تساءل فيها “أفي شرع الله الرجل يُجرب والمرأة تُجرب باسم زواج التجربة.. أي زواج هذا؟!!.. بل أي شرع هذا؟!!”.
جريمة مستترة
ومن جهته اعتبر استشاري الطب النفسي بجامعة الأزهر الدكتور جمال أبو العزايم هذا النوع من الزواج جريمة مستترة، موضحا أن هذا الشكل يحدث في كثير من المناطق التي تزداد فيها الانحرافات الجنسية.
وأوضح، في تصريح صحفي، أن المرأة تفقد الكثير من حقوقها في ظل هذا الشكل من الزواج، وتصبح في حالة اجتماعية ونفسية سيئة، مضيفا أن العواقب والآثار النفسية خطيرة لكلا الزوجين، لكن المرأة الأكثر تضررا حيث تصبح بلا حقوق.
وأضاف أبو العزائم أن الأسرة هي نواة المجتمع والمنوطة بخلق علاقة راسخة، ويحق لكلا الشريكين إقامة علاقة زوجية صحيحة.
وفي الإطار نفسه، تحدث الكاتب الصحفي خالد سنجر في مقال حمل عنوان “ما تيجي نجرب!”، وتساءل مستنكرا “وأخيرا ينام المصريون ليلتهم ليستيقظوا على نوع جديد تم تسميته بـ”زواج التجربة”.. عن أي تجربة يتحدث هؤلاء؟ هل هي صفقة تجارية أم شراكة على تسويق منتج حتى يتعاقد الطرفان على خوض تجربة فإما استكمال الزواج وإما فسخه؟”.
وأضاف أن الزواج نفسه لا يحتاج للتجربة، فالإسلام شرع “الخطبة” قبل إبرام عقد الزواج لكي يحدث التقارب بين الخاطب ومخطوبته تحت رقابة الأسرة، وحتى يتعرف كل منهما على الآخر بشكل أفضل، فإما الاتفاق والتلاقي فيتم عقد القران، وإما الاختلاف وتنافر الأفكار وهنا يكون القرار بفسخ الخطبة.
وأردف “المتحمسون لهذا العقد الفاسد يجب محاكمتهم بتهمة إثارة الفتنة داخل المجتمع، والتحريض على الفسق والفجور ونشر الفحشاء، بل ازدراء الأديان”.
واختتم مقاله “إلى كل صاحب مصلحة من فكرة ضالة، أو غاوي شهرة بفتوى فاسدة، أو طامع فى مال أو منصب برأي شاذ يثير اللغط والفتنة في المجتمع.. المصريون على قدر بساطتهم يتمتعون بالذكاء في التفرقة بين الغث والثمين من الأفكار المدسوسة المسمومة.. مساعيكم لإرباك المجتمع محكومة بالفشل”.“