إذا كنت قد تأملت النمل في أي وقت مضى، ربما لاحظت ميلها إلى طبع “قبلة” سريعاً بينما تضم أفواهها مع بعضها في لقاءات وجهاً لوجه. لكن تلك هي الطريقة التي تغذي بها بعضها بعضاً ومعها يرقاتها. ويقول العلماء، بالوقت الحالي، إن الحشرات في فعلها هذا تتشارك فيما هو أكثر بكثير من الغذاء، إذ إنها تتواصـل متحدثة عبر خلطات كيميائية مصممة لبناء أجسامها وتشكيل المعسكرات التي تعيش فيها.
ويوحي هذا الاكتشاف بأن تبادل اللعاب يمكن أن يلعب أدواراً، لم تكتشف بعد في كثير من المخلوقات الأخرى، من الطيور إلى البشر، وفق عالم الأحياء التطوري بجامعة لوزان في سويسرا، والمؤلف الرئيسي للدراسة، أدريا وبوف.
وقال وبوف: “لقد أولينا قليلاً من الاهتمام بما يصاحب النقل المباشر للغذاء سواء في النمل أو غيرها من الأنواع الأخرى”، “إلى جانب التغذية المباشرة التي يجري نقلها”، بحسب ما أضافته عالمة الأحياء التطوري بجامعة أريزونا في توكسون، ديانا ويلار، والتي لم تكن مشاركة في هذا العمل البحثي.
ومن المعروف منذ زمن أن الحشرات الاجتماعية، مثل النمل والنحل والدبور، تقوم بتمرير الغذاء إلى بعضها البعض بتبادله من فم إلى فم، وهو سلوك يعرف بـ”التروفالاكسيس” أو التبادل الفموي، أي النقل المباشر للمواد الغذائية بين الحشرات، بمعنى تخزين الغذاء السائل في “بطون اجتماعية” أو محاصيل، يمكن اجترارها فيما بعد، مما يوضح كيفية انتقال الأغذية من النمل الباحث عن الطعام إلى النمل في الحضانة، ومن النمل في الحضانة إلى يرقات النمل داخل المستعمرة.
كما أشارت أبحاث أخرى إلى أن النمل يلجأ أيضاً لاستخدام التبادل الفموي لنشر الرائحة في المستعمرة، مما يساعدهم على التعرف على زملائهم في عششهم الخاصة بهم.
ولمعرفة ما إذا كان الـتبادل الفموي يلعب دوراً في الاتصالات بين النمل، فقد قامت لو بوييف وزملائها بجمع سائل التبادل من النمل النجار في فلوريدا، باستخدام سلسلة من الأساليب الكيميائية والبيولوجية. واكتشف الباحثون أن هذا السائل الاجتماعي يحتوي على مجموعة متنوعة من المواد الكيميائية، بما في ذلك البروتينات المناعية ذات الصلة، ولذا فان أدلة التعرف على زميل العش. كذلك تعتبر هرمونات الشباب مهمة في مجال تنظيم تناسل النمل وتنميته وتطوره وتنظيم سلوكياته.
وكان اكتشاف هرمون الشباب غير متوقعاً بصفة خاصة، إذ يقول لوبييف إنها “كانت مفاجأة كبيرة”، مشيراً إلى أن العلماء في الماضي كانوا يشرحون أن الهرمون موجود ببساطة في مجرى دم الحشرة. لكن على العكس من ذلك، يبدو أن البالغين يمررونها “في اتصال خاص” إلى اليرقات.
كذلك اختبر العلماء هذه الفكرة تجريبياً، حيث قدموا لمجموعة ما بين 25 إلى 30 من النمل العامل عدد خمسة إلى 10 يرقات ليقوموا على تربيتها. كما وفروا للنمل العامل الطعام الذي كان يلحق إما بالهرمون أو مع المذيبات. وكانت اليرقات التي حصلت على الغذاء الذي تغلب عليه نسبة الهرمون ضعف حجم الضوابط بالنسبة للبالغين بالمقارنة مع نوعين من النمل العامل، ما يعني أن النمل الحاضنة يجب أن تقوم بشكل انتقائي بتغذية اليرقات بالهرمون، وهذا يتوقف على نوع النمل العامل من البالغين الذين تحتاجهم المستعمرة، وذلك وفقاً للوبييف. وأساساً فإن النمل الحاضن هو الذي يقرر الشكل الطويل الأمد وكذلك مصير المستعمرة.. وتضيف ويلار: “إنها طريقة لتكامل المستعمرة للتأكد من أنها تعمل ككيان واحد”.
وقام الباحثون بتحليل السائل المتبادل اجتماعياً من ثلاثة أنواع أخرى: فصيلتان أخريتان من النمل بالإضافة إلى نحل العسل. وتوصلوا إلى اكتشاف بروتينات مماثلة وإضافية تتصل بالنمو والتطور والنضج، وفقاً لما أفادوا به لموقع “ئي لايف”.
وكان الاعتقاد السائد لدى العلماء أن الجزيئات في الغذاء المجتر للحشرات الاجتماعية مجرد مشتقات جانبية “ولكن تبين بدلاً من ذلك، بحسب تعليقات العلماء المتابعين للنتائج الجديدة للدراسة، أنها تلعب دوراً نشطاً في تنظيم السلوكيات التركيبية للمستعمرة، وتركيبة سكانها بل وأجهزة المقاومة المناعية لديها”.