وجّهت محكمة أسترالية تهمة “القسوة على الحيوان”، لامرأة قامت بحبس 14 قطاً داخل منزلها لفترة طويلة، ما أدى إلى شعور القطط بالجوع، وتناول بعضها بعضاً.
وأظهرت الصور، التي نشرها موقع “ميترو” البريطاني، جثث القطط المتحللة وقد عمّت أنحاء المنزل في أديلايد، في حين تمكن قط واحد من النجاة من المجزرة.
وقالت كبيرة المفتشين في “RSPCA”، أندريا لويس: “عند وصول رجال الإنقاذ، كان القط يموء من خلف باب المنزل”، وتم العثور على بقايا العظام منتشرة في المنزل، في حين كان “تروبر”، وهو الاسم الذي أطلقه رجال الإنقاذ على القط الناجي، يعاني من هزالٍ شديد بسبب الجوع.
المرأة هي منبع الحنان وموطن الرفق ، خلقها الله سبحانه وتعالى وجعل من عاطفتها الفيّاضة جزءاً لا يتجزّأ من تكوينها ، فتراها تنطلق من مشاعرها المرهفة وأحاسيسها الرقيقة لتحنو على من حولها وتغمره بهذه العاطفة .
ولكن ماذا إذا نُزعت الرحمة من قلب أنثى وأجدبت فيها معاني الشفقة لتفقد إنسانيّتها وفطرتها وأبرز صفاتها ؟ ، وكيف يكون الحال إذا وجدت القسوة طريقها إلى نفسها لتدفعها إلى الإضرار والإفساد والتعذيب ، في خلق معوج وسلوك منحرف ؟
لا شكّ حينها أن النتائج ستختلف ، والموازين ستنقلب ، والقيم ستتبدّل ، فإذا بنا نرى الرحمة على الآخرين تنقلب شدّة عليهم ، وإذا التوجّع من أصوات الأنين يحلّ محلّه الأنس بذلك الصوت والراحة لسماعه .
وبين يدينا صورةٌ مخالفةٌ للأصل ، ومناقضةٌ للفطرة الأنثويّة ، أخبر عنها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ، جرت وقائعها أيّام الجاهليّة ، والقصّة أن امرأة من “حمير ” كانت تملك هرّة ، فبدلاً من رعايتها والاعتناء بها ، وبدلاً من إطعامها والإحسان إليها ، إذا بها تحبسها وتمنعها من الخروج ، وليت الأمر اقتصر على ذلك فحسب ولكنها منعت عنها الطعام والشراب ، دون أن تُلقي بالاً إلى أصوات الاستغاثة التي كانت تصدر من الهرّة .
وظلّت الهرّة تعاني من الجوع والعطش أياما وليالي ، لم تجد فيها شيئاً من طعام يشبع جوعتها ، أو قطرة ماءٍ يطفيء ظمأها ، ولم يُسمح لها بمغادرة البيت علّها تظفر بشيء تأكله ولو كان من هوام الأرض وحشراتها ، حتى فارقت الحياة ، والمرأة تنظر إلى ذلك كلّه دون أن تحرّكها يقظة من ضميرٍ أو وازعٌ من خير .
ولكنّ ربّك بالمرصاد ، حرّم الظلم على نفسه ولا يرضى وقوعه على أحد ، فكان عقابها الإلهيّ الذي رآه النبي – صلى الله عليه وسلم – يوم كُسفت الشمس أن الله سلّط عليها هرّة تجرحها بمخالبها مُقبلةً مُدبرة حتى يوم القيامة ، ثم يكون مصيرها نار جهنّم والعياذ بالله .
نصّ الحديث
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال : ( عُذّبت امرأة في هرّة ، سجنتها حتى ماتت ، فدخلت فيها النار ؛ لا هي أطعمتها ، ولا سقتها إذ حبستها ، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض ) متفق عليه.
وقفات مع القصّة
في التحذير – الذي ورد في الحديث – من تعذيب الحيوانات وأذيّتها ، دعوةٌ إلى الإحسان والرّحمة بالآخرين ، خصوصاً إذا كان الأمر يتعلّق بالحيوانات ، والإسلام قائم على مبدأ الإحسان في معاملة الخالق والمخلوق .
ولنتأمل كيف وجّه الله سبحانه وتعالى النظر إلى الحيوانات ، باعتبارها نعمةً عظيمةً سُخّرت للبشر كي ينتفعوا بلحومها وأشعارها وأوبارها ، ثم كيف جاء الحثّ على الرفق بتلك المخلوقات ، ذلك الرفق الذي يمنع من تعذيب الحيوان أو ضربه ووسمه بالنار ، ويأمر بإحسان قتله ، وينهى عن حدّ الشفرة أمامه حتى لا تتأذّى من النظر إليها .
وتمضي الشريعة في تشريع الرحمة بالحيوان:
– فتُحَرِّم المكْث طويلاً على ظهره وهو واقف؛ فقد قال عليه الصَّلاة والسلام: “لا تَتَّخِذوا ظهور دوابكم كراسي”[5].
وقد عاب القرآن الكريم ما كان عليه أهل الجاهليّة من تعذيب الحيوانات بشقّ آذانها ، وصحّ عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قوله : ( لا تقصوا نواصي الخيل – مقدّم رأسها – ولا معارفها – شعر الرّقبة -ولا أذنابها ؛ فإن أذنابها مذابّها – أي تدفع عنها الهوام – ، ومعارفها دفاؤها – أي كساؤها الذي تدفأ به – ، ونواصيها معقودٌ فيها الخير ) رواه أبو داود ، ونهى عليه الصلاة والسلام : ” أن يُقتل شيء من الدواب صبرا ” رواه مسلم ، وهو حبس الحيوان دون طعام أو شراب حتى الموت ، أو أن يُتّخذ الحيوان هدفاً للرماية .
– وتحرم إجاعته وتعريضه للضَّعف والهُزَال؛ فقد مرَّ عليه السلام بِبَعِيرٍ قد لصق ظهره ببطنه، فقال: “اتَّقوا الله في هذه البهائم المعجمة، فاركبوها صالحة، وكلوها صالحة”[6].
وعندما رأى النبي – صلى الله عليه وسلم – حماراً قد ُوسم في وجهه ، غضب لذلك وقال : ( لعن الله الذي وسمه ) رواه مسلم .
وفي مجال الاهتمام بغذاء الحيوان يقول النبي – صلى الله عليه وسلم – : ( إذا سافرتم في الخصب فأعطوا الإبل حظها من الأرض ) رواه مسلم
أمَّا إذا كان الحيوان مما يُؤْكل، فإنَّ الرحمة به أن تُحدَّ الشَّفرة، ويُسقَى الماء، ويُراحَ بعد الذبح قبل السلخ “إنَّ الله كتب الإحسان على كل شيءٍ، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحدَّ أحدكم شَفْرته، وليُرِح ذبيحته”[11].
بل إنَّ إضجاع الحيوان للذبح قبل إحداد الشفرة قسوةٌ لا تجوز؛ أضجع رجل شاة للذبح، وهو يحد شفرته، فقال له عليه السلام: “أتريد أن تميتها موتتان؟! هلاَّ أحددت شفرتك قبل أن تضجعها”[12].
واسمعوا ما أروَع هذه الرَّحمةَ بالحيوان وأبلغ دلالتها على روح حَضَارتنا؛ قال عبدالله بن مسعود: “كنا مع رسول الله في سَفَر، فرأينا حمرةً، أي: طير يشبه العصفور، معها فرخان لها، فأخذناهما فجاءت الحمرة تعرِّش، أي: ترفرف بجناحيها، فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “مَن فجع هذه بولدها؟ ردوا ولدها إليها”، ورأى قرية نمل قد أحرقناها فقال: “مَن أحرق هذه؟”، قلنا: نحن، قال: “إنه لا ينبغي أن يُعذِّب بالنار إلاَّ ربُّ النار”[13].
إذاً يدل الحديث السابق عن المرأة التي عذبت الهرة أن الجزاء من جنس العمل ، فالمرأة عُوقبت بعد مماتها بهرّة تُعذّبها وتخدش جسدها كما جاء في سياق النصّ . نصّ الحديث .
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال : ( عُذّبت امرأة في هرّة ، سجنتها حتى ماتت ، فدخلت فيها النار ؛ لا هي أطعمتها ، ولا سقتها إذ حبستها ، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض ) متفق عليه.
وبهذا تكون القصّة قد جسّدت اهتمام الإسلام بالحيوانات والدعوة إلى الإحسان إليها ، وإعطائها حقوقاً في كلّ ما يجلب لها النفع أو يدفع عنها الضرّ ، وما يكفل لها العيش والحياة ، مما يثبت أسبقيّة هذا الدين العظيم لكلّ المنظمات الحقوقيّة المعنيّة بالحيوانات والرفق بها.