ثورة حقيقية في بلد قيل إنه «يثور أبو الهول أولا، ثم يثور المصريون»، لكن الصورة لا تكذب، كانوا بالجموع.. بالملايين.. بالتحدي.. بالنار التي لم تكن بردا ولا سلاما.. والماء الذي أريق عكس وظائفه لغرض ليس هو الحياة.. بالأسماء والوجوه والبشر في مواجهة أجهزة أمن منزوعة الملامح، هؤلاء الذين ولدوا فوجدوا «الشمس تشرق من الشرق وتغرب في الغرب وحسني مبارك رئيسا» هم من نزلوا في مشهد تملؤه الشجاعة يتحدون قوى كأنها الطبيعة نفسها.
وتحت أنظار العالم الحديث وكاميراته وأقماره الصناعية وبثه المباشر لعلها تكون الثورة التي حظيت بأكبر تغطية في التاريخ، وفقا لتقارير هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي».
قيل إن «كل ما يأتي إلى مصر يتمصر»، كما قال شاعر العراق الأكبر، مهدي الجواهري: «حتى الطبيعة عندها تتمصر»، أفلا تتمصر الثورة؟ لذاهي ثورة ليست ككل الثورات.
هناك ثورات مخملية وهناك ثورات حمراء وأخرى بيضاء، وثورة برتقالية، وهناك ثورة الياسمين، كان على الثورة وهي تمر في مصر أن تدرك أنها ستتغير وإلى الأبد، فالمصريون علموا الثورة كيف تكون ساحرة وساخرة، دامية ولاهية، ممتلئة باللهب، تجمع بين التعب واللعب، محبة للحرية قدر حبها للحياة، وإن أردنا أن نطلق اسما على الثورة المصرية يمكن أن نسميها «الثورة الضاحكة».
فوسط مشاهد التراجيديا والقتل والدماء لم يخل الميدان من خفة دم مصرية ميزته عن كل ثورات العالم تجدها في لافتات مرفوعة أو يتجول بها شباب في الميدان.